للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولم يدر قلبك كيف النزوع ... إلى أن رأى سيرة فامتثل

وليت الذي قاد عفوا إليك ... أبي الهوى في عنان الغزل

يحيل عذوبة ذاك اللمى ... ويشفي من السقم تلك المقل وانصرفت ولادة عن ابن زيدون إلى ابن عبدوس، وظل المحب الثاني يكفل لها العيش اللين بجوده بعد إذ تحيف الدهر المستطيل حالها وطال عمرها وعمر أبي عامر حتى أربيا على الثمانين (١) .

فشخصية ولادة هي التي رسمت الطريق لغزل ابن زيدون بتقلبها وشدة غيرتها، ومن قوة الحادثة نفسها استمد غزله القوة والجيشان، وبخاصة بعد أن وقع في حال هي بين الأمل واليأس، ففي تلك الفترة أطلق الشاعر شحنة قوية من الحرارة في قصائده عندما أحس بأن " شخصه " قد اصبح مقصى عن تلك المجالس وان الإيثار قد وقع على غيره. وإذا كانت غيرة ولادة سببا في سوء ظنها بابن زيدون نفسه ثم تحولها عنه فان في شخصية ابن زيدون نفسه سببا آخر، إذ كان شابا مغرورا بجماله وفتونه، نرجسيا في نظرته لذاته، وكان مبتلى بمثل الغيرة التي لدى صاحبته، ولذلك كان استمرار العلاقة بينهما أمرا عسيرا. ولم يستطع ابن زيدون؟ رغم إعجابه بنفسه - أن يتغلب على شعوره بالنقص تجاه ولادة من حيث انها أشرف نسبا وأعلى مقاما وقد عبر عن هذه الحقيقة الكامنة في دخيلته بقوله:

ما ضر أن لم نكن أكفاءه شرفا ... ففي المودة كاف من تكافينا غير انه أن أجاز لنا أن نفسر انتهاء هذه العلاقة بتفسيرها للعوامل الدخيلة في طبيعة الشخصيتين فلا يجوز لنا بحال أن نرسم من كل


(١) المصدر نفسه: ٣٧٩.

<<  <   >  >>