للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

شعر ابن زيدون الغزلي صورة قصة واحدة تدور كلها حول علاقته بولادة. فذلك الحب إنما استثار قصائد معدومة. ولم يكن ابن زيدون بالذي يجعل حياته كلها وقفا على علاقة حب واحد؛ هذا وان الاغراق في الحكم على شخصيتهما من القصص القليلة المتصلة بهما ونسبة الشذوذ الجنسي إلى هذا أو ذاك منهما إنما هو من التجوز؟ بل من التعدي - الذي لا تقره الدراسة المنصفة القائمة على الشواهد فقد وصف ابن بسام ولادة - مثلا " بطهارة الأثواب " ثم قال بعد ذلك بسطر: " وأوجدت إلى القول فيها السبيل بقلة مبالاتها ومجاهرتها بلذاتها (١) فما الذي يوفق بين طهارة الأثواب والمجاهرة باللذات؟ وما معنى قول أبي عبد الله بن مكي شيخ ابن بسكوال " لم يكن لها تصاون يطابق شرفها؟ " (٢) وما الصورة التي تتركها أهاجيها في تقديرنا لشخصيتها؟ مفهوم هذا كله يتجلى لنا إذ نتذكر أن ولادة كانت صاحبة " صالون " أدبي، وأنها كانت تستقبل أصنافاً من الناس فتحادث هذا وتمازح ذاك وتقبل بالحب على واحد دون آخر، فلم تكن " متصاونة " حسبما تحجب نساء الاشراف، ولم تكن تتعقق في القول لميلها إلى الدعابة حتى وان جاءت مكشوفة، وفي كل ذلك تفصل الرواية القديمة بين القول والعمل فيما تنسبه إليها.

وقد يظن أن ابن زيدون اتهمها في معرض التهكم بابن عبدوس حين قال على لسانها في الرسالة الهزلية، وعلاقته بها ما تزال قوية: " وكم بين من يتمدني بالقوة الظاهرة والشهوة الوافرة والنفس المصروفة الي واللذة الوقوفة علي وبين آخر قد نضب غديره ونزحت بيرة "؟ وهذا كلام أن لم يحمل على المقارنة بين محض رغبة المرأة؟ أي المرأة - في


(١) الذخيرة ١/١: ٣٧٦.
(٢) الصلة: ٦٥٧.

<<  <   >  >>