الناقمين عليه وأطلق المسجونين بمطبق وبذة، وأدخلهم البلد سرا ملثمين سنة ٣٦٨؟ فعل كل ذلك بممالأة الفقيه ابن المشاط قاضي قونكة، وهو صديق ابن الحديدي الذي استدرج صديقه إلى قصر القادر حيث أحيط به وقتل غدرا.
وكان لابن الحديدي " شعبية " كبيرة، ولذلك ثار العتمة عندما سمعوا بمقتله، وكثرت الفرقة، وانقسم الناس أحزاباً، وعندئذ أعلن ابن عبد العزيز صاحب بلنسية أنه خارج على طاعة ابن ذي النون. وتحركت أطماع اذقونش بن فرذلند، فأخذ يشتط على القادر فيما يتطلبه، والقادر يبذل له ما يريد. وتحرك ضد القادر حزب المشيخة الذين أخرجهم من السجن (١) ، فلما وجد الفوضى عامة هرب من طليطلة، وانفلت زمام البلد، وأقام أهلها؟ كما يقول ابن بسام - " في هياط ومياط ولجب واختلاط، ليس عليهم أمير، ولا فيهم إلى الصواب مشير ". وعندئذ تزعم عليهم رجل يدعى ابن القلاس، وأشار عليهم باستدعاء المتوكل ابن الأفطس، فدخل هذا طليطلة عقب سنة ٤٧٣.
أما ابن ذي النون الهارب فانه أخذ يراسل إذ فونش، ويذكره كيف أن بني ذي النون هم الذين مكنوه من الملك بعد أن ثارت المنازعات بينه وبين أخويه شانجه وغرسيه، وأن المأمون هو الذي آواه، عندما كان بحاجة إلى مأوى، فخف إذ فونش لمسارعته. وعندئذ فر المتوكل من طليطلة بعد أن " قمش ما بقته الفتنة من فرش فخم وسرادق ضخم وآنية وكتب ". وترك المدينة " كالسفينة خانتها الريح، والجسد بان عنه الروح ".
(١) ذكر الأمير عبد الله في مذكراته أن أشدهم إفساداً هم بنو الوارنكي وبنو مغيث ومن انحاش إليهم (المذكرات: ٧٧) .