والاستقصاء، وفي النفاذ إلى الأمور فيدل بذلك على قوة ملكه وسعة اطلاعه، إلا أنه حين يصل إلى الفخر بالعلم يسقط سقطة شديدة، إذ يقول:" وفخرت بالرياضية والأرضية، صدقت ونبت عني في الجواب، هي كالرياض سريعة الذبول، كثيرة الجفول؟. وكالأرض الأريضة، ذات العرصة العريصة؟ وأما الاسترلوميقي الهندسية، فعلم عملي مبني على التقاسيم والتراسيم، وكله آلات للحالات، وأدوات للذوات، ومساحات للساحات ". وإذ كان هذا العلم كذلك فهو في رأي ابن من الله علم أصحابه من العمال الممتهنين، والعرب بعيدة من المهنة. ولا يفرق القروي بين علم الهيئة وعرافة العرب، فيدعي أنه علم لهم فيه اليد الطولى، ويبين فضل العرب في معرفة الشهور والأيام وانهم جمعوا علم الطب في كلمتين، ثم يتحدث عن ميزتهم في الغناء واللحون ليثبت فضلهم في الموسيقى. " وأما الالوطيقى واللوطيقى فهنالك جاءت الأحموقى والاخروقى وظهر عجز القوم وبان أنهم أغمار ليس فيهم إلا حمار ".
ويبين هذا الموقف القائم على المناظرة افتتات كل فريق، وتحيله بشتى ضروب الحيل لتوجيه الأمور وجهة تلائم نظرته ومنطقه، وإذا كان من شيء في هذا الضرب من الجدل، فهو تنكبه جادة المنطق والذهاب مع التعميم والتمويه، والسفسطة واللجوء إلى الغمز واللمز والسباب المكشوف. وقد اصبح الموضوع معرضا لإظهار البراعة في الرد، حين تناوله الناس بعد عصر ابن غرسية، ومجالا للتجارب الأسلوبية، فأما ما عدا الرسالتين السابقتين فلا نتعرض له في هذا المقام لأنه يلحق بعصر آخر.