هذا البيان. ولذلك نترك الجانب الذي يصور بعض مظاهر التقدم، لنتوجه نحو الأدب الذي يصور التراجع، فهو الذي يمثل الحقيقة التاريخية للأندلس اكثر مما يمثله النوع الأول، وهذا الأدب لا يعني إقرار اليأس دائما وإنما هو في الغالب صور حزينة تنجم عن كارثة أو نكبة، وهو في أحيان أخرى تنبيه وتذكير، ولسنا نستطيع ان نستوفي كل جوانبه ومظاهره، ولذلك اكتفى بعرض ما اتصل منه بالأحداث الأربعة الخطيرة التي ألمحت إليها في المقدمة، وهي سقوط بربشتر وسقوط طليطلة وسقوط بلنسية وذهاب دولة بني عياد.
وأولى تلك الكوارث سقوط بربشتر (٤٥٦) على يد الاردمانيين (النورمانيين) وقد أثارت تلك الحادثة مشاعر الفقيه الزاهد ابن العسال، فصور في إحدى قصائده ما حل يومئذ تصويرا عاما من النوع المألوف المكرر في ذكر ضروب الفواجع التي نزلت بالناس (١) :
ولقد رمانا المشركون بأسهم ... لم تخط لكن شأنها الاصماء
هتكوا بخيلهم قصور حريمها ... لم يبق لا جبل ولا بطحاء
جاسوا خلال ديارهم فلهم بها ... في كل يوم غارة شعواء
باتت قلوب المسلمين برعبهم ... فحماتُنا في حربهم جبناء
كم موضع غنموه لم يرحم به ... طفل ولا شيخ ولا عذراء
ولكم رضيع فرقوه من أمه ... فله إليها ضجة وبغاء
لرب مولود أبوه مجدل ... فوق التراب وفرشه البيداء
ومصونة في خدرها محجوبة ... قد أبرزوها ما لها استخفاء