للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وربما كان من الكثير أن نتطلب من ابن العسال إظهار تفاعله مع الحادثة، وتعدي المجال الخارجي في تصويرها، فقصيدته تدل على تنبه النفسي لمعنى النكبة، وهو يعرف موطن الداء حين يقول: " فحماتنا في حربهم جبناء ". ثم انه بحكم موقفه الزهدي الديني ينسب ما حل ببربشتر إلى ذنوب المسلمين وانهم لا يتورعون عن المجاهرة بالكبائر " فالذنوب الداء "؟ كما يقول - وهذه مشكلة تعترضنا كثيرا في الأدب الذي يمثل النكبات العامة.

وكان اشد الناس عارضة بالإلحاح على ما دهم تلك المدينة هو أبو حفص عمر بن الحسين الهوزني صديق عباد المستقل بأمر اشبيلية، وقد استأذن صديقه في سكنى مرسية، فلما حلت المصيبة بمدينة بربشتر، وكانت من أولى المصائب ذات الأثر البعيد في نفوس الأندلسيين، اخذ يراسل عبادا ويحثه على الجهاد والتنبيه للأمر الداهم. ومن رسائله إليه في هذا الشأن (١) :

أعباد حل الرزء والقوم هجع ... على حالة من مثلها يتوقع

فلق كتابي من فراغك ساعة ... وان طال، فالموصوف للطول موضع؟ وكتابي عن حالة يشيب لشهودها مفرق الوليد، كما يغبر لورودها وجه الصعيد، بدؤها ينسف الطريف والتليد، ويستأصل الوالد والوليد، تذر النساء أيامي، والأطفال يتامى؟ طمت حتى خيف على عروة الإيمان الانتقاض، وطغت حتى خشي على عمود الإسلام منها الانتقاض، وسمت حتى توقع على جناح الدين الانهياض؟ كأن الجميع في رقدة أهل الكهف، أو على وعد صادق من الصرف والكشف.


(١) الذخيرة - القسم الثاني (المخطوط) : ٣٤.

<<  <   >  >>