وفيما عدا ذلك لم يحاول السرقسطي شيئا كثيرا من التلاعب في البناء والأحاجي وما أشبه ذلك كما فعل الحريري.
وإذا تتبعنا الناحية الجغرافية في مقاماته وجدناه أحيانا يخطئ في تصور الأمكنة فإذا تحدث عن أرض اليمن قال " فبينا أنا منها في عمان " كأنه يعد أرض عمان جزءا من اليمن، أو يقول في مقامة أخرى:" حتى إذا كان بذي المجاز من ارض الحجاز عرض له بين نجد وتهامة؟ " مطلقا هذا الوصف دون تحديد دقيق، وقد استمد أكثر أسماء الأماكن التي اختارها من نواحي الجزيرة العربية مثل اليمن وعدن والشحر وعسفان وظفار واليمامة والبحرين وزبيد والابواء. وكثيرا ما يغفل تسمية المكان ويكتفي بالقول إنه كان في ارض قفر أو صحراء، واختار من ارض الشرق والعراق والجزيرة أسماء مدينة السلام وسنجار وحران والانبتر والرقة وواسط والأهواز وأصبهان ومرو والري وصول والكرج. وتغلغل في الشرق الأقصى فجعل مكان الحوادث بعض جزائر الهند أو الصين أو غزنة، ومن ديار مصر والشام: الإسكندرية ودمياط وحلب وفلسطين. ولم تجر قصة مقامته في بلاد المغرب والأندلس إلا ثلاث مرات: مرة في القيروان وثانية في طنجة، وثالثة بجزيرة طريف، ولم يفدنا في الثالثة من هذه المقامات ذات الموطن المغربي أي شيء دقيق عن وطنه الأندلس، فكأننا لا نستطيع ان نجد في هذه المقامات صيغة محلية، كالتي وجدناها في بعض المقامات الأندلسية الأخرى وخاصة التي تصور رحلات في داخل الأندلس نفسها.
وإذا استثنينا المقامتين الثلاثين والخمسين وهما في الشعر والشعراء وفي النظم والنثر، وجدنا أن العقدة في اكثر المقامات الأخرى تقوم على تنكر الشيخ المحتال، وعلى مهارته في الوعظ، ووعظه غالبا تذكير بالآخرة