والموت، ثم انكشاف حال الشيخ للسائب بن تمام. وكثيرا ما يفر هذا الشيخ بعد ان يفوز بما يريد، لكنه في كل مرة يترك رقعة، فيها شعر يشرح فيه حاله وحيله. وقد يستعين الشيخ على إنفاذ حيلته بابنه حبيب فيجعله هو الخطيب الذي يستدر عطف الناس لحال ابيه، وقد يستعين بابنته إذ يتخذها جارية فيعرضها للبيع فإذا بيعت وقبض الثمن لم يسمح أمين البلد بإخراجها لأنها حرة لا يجري البيع عليها. أو قد يتخذ من السائب نفسه أداة لتحقيق أغراضه، كما في المقامة الحادية عشرة حيث يلتقي أبو حبيب بالسائب ويتصاحبان فيطلب إليه الشيخ ان يظهر لوثة وخنونا، ثم يلبسه أخلاق الثياب ويأخذه إلى حلقة القوم، ويحدثهم انه عاشق مجنون يهوى ابنة عمه وقد اصاره الحب إلى هذه الحال ويطلب إليهم مساعدته بالمال، فيجتمع المال منهم، والعاشق نفسه في حالة إغماء فيتركه إلى عناية الجماعة من حوله، ويعود إلى البيت الذي كانا ينزلان فيه بسنجار ويجمع ما فيه متاع ويهرب، وقد جازت حيلته على القوم وعلى السائب نفسه.
تلك هي شخصية المكدي التي استغلها الحريري وبديع الزمان، لم يغير السرقسطي في طبيعتها شيئا، وإنما غير في الحيل والأساليب، وجعل المقامة معرضا للبراعة الاسلوبية كما عاملها صاحباه من قبل. فمقامة يعرض فيها فنه في مدح الشيء ثم ذمه، وأخرى في وصف الدينار، وثالثة في وصف حال العاشق، ورابعة في وصف سرب من الحسان، وخامسة في مناجاة الطلول، وسادسة في تصوير القاضي الجائر، وقيمة الخداع والحيل في الحياة العامة، وسابعة في وصف الفرس، وهكذا.
وإذا كان من شيء يلفت النظر في مقامات السرقسطي، فذلك هو " العنصر البحري " في بعضها. ففي المقامة السادسة يقصد ميناء عدن