ويخطب في المجتمعين هنالك ويثني على روح المغامرة فيهم وحبهم للبحرية. ويقول لهم:(١٢ - ١٣) أذكركم بتلك البحور الزاجرة، والسفن الماخرة، والبحر العجاج، والماء الثجاج، وبالأعراف الجون، والغيابات والدجون، والغمرات المظلة، والأهوال المطلة، وبرنة القواطف، وأنة العواصف " فيستعير صفات البحر ليذكرهم بما يشبهها من أهوال يوم القيامة. وفي المقامة السابعة وهي البحرية؟ ومكانها مرفأ الشحر - يقوم بينهم خطيبا ويهول عليهم أمر السفر في البحر: " وما الذي حملهم على ركوب هذا العجاج، وخرق هذا الماء الثجاج، ولكنهم في البر منفسح ومجال، ودونكم من هوله أوحال وأوجال، كأنهم قد ملكتم عنانه وسلكتم نينانه؟. هل سدت عليهم المسالك أو طويت دونكم الممالك " ويحبب إليهم قصد الملوك، ويخذلهم عن المتاجرة مع الكفار، حيث يعانون عبادة النار، ويرون القرابين ويستمعون إلى ما لا يفهمون من رطانة، ثم يعود بعد أن نال أعطياتهم فيمدح لهم السفر في البحر: " وإن لهذا البحر لخبرا، وان به لآيات وعبرا، إلى مرافق ومنافع، ومتالع من الرزق ومدافع، فمن لؤلؤ ومرجان، وقاطف من ثمره وجان " وأخذ في هذا الضرب من عد لمميزاته ومنافعه.
ثم انه حين جعل مكان المقامة في إحدى جزائر الهند أو في الصين كان يفكر في هذه الرحلة البحرية كذلك. والمقامة العنقاوية التي وقعت أحداثها في الصين من أبرز المقامات لانه استمد فيها مادة من أقاصيص البحريين وحكاياتهم وتصرف بها. فقد جعل الشيخ في المقامة يقوم ليحدث الناس عن العجائب البحرية التي لاقاها في سفره، فقد أخبرهم انه كان ذات يوم يسير في قفرة ملساء: " فبينا نحن كذلك إذ انسابت تلك الأرض، واستدار بنا الطول والعرض، فطوينا المراحل، ورأينا الصحارى تمشي بنا