والسواحل، إلى أن رأينا البحر يسير إلينا وتسير إليه، ويعلو علينا تارة ونعلو عليه، تلعب بنا أمواجه وتبعد عنا أحناؤه وأضواجه، إلى ان ساخت في البحر سوخا، وبقينا نبوخ في الماء بوخا، فسبحنا سبحا طويلا، واستفدنا جلدا وحويلا، إلى أن خرجنا إلى جزيرة عريضة، ذات مرابع خصيبة وأرض أريضة؟.. واستيقظنا من تلك الغمرات، وصحونا من تلك السكرات، فعلمنا انه حيوان بحري أصحر ثم أبحر ". وبعد ذلك يصف كيف هبط فوقهم شيء كأنه السحابة الظليلة، وظهر لهم شيخ فأخبرهم ان ما ركبوه هو سلحفاة البحر " سبحان من قضى لكم بالنجاة، ووازى بكم أرض البجاة " وأن السحابة الظليلة ليست سوى فرخ العنقاء، وان الشيخ شهده وهو فرخ صغير توفيت أمه فزقه بيده وتقديرا من ابن العنقاء لهذه التربية فانه يزور الشيخ في كل شهر " فكم جلب إلي من ماء النيل وخصني من ماء دجلة والفرات بكل عذب فرات، وحباني من سيحان وجيحان بكل رزق طيب وريحان " ثم قال لهم الشيخ: " ابشروا بالنجاة والفوز والخلوص إلى البر؟ يا بني إذا سكن وجشم ووكن فتدرجوا على ذناباه، إذا أسبله، وإياكم وإياه إن أقبله، ثم صعدوا على زمكاه إلى فقارة، وتحفظوا من عطفة منقاره وسورة وقاره، ثم اعلقوا بأطراف ذلك الريش، وكونوا من كتده على عريش، حتى تنفذوا كالسهم المريش، فانه سيقع بكم على أباطح وسهوب؟ " وهكذا طار بهم ابن العنقاء وألقى بهم في رياض مونقة عرفوا من بعد أنها من أرياف النيل وشطوطه.
وفي هذه المقامة التي تعتمد على المغامرات البحرية ما يذكر بقصة النندباد، ولعلها كانت قد عرفت بالأندلس. وهنا يجب ان نتذكر البيئة البحرية عامة في قصص الرحالة الاندلسيين، ثم كيف تمثل طرف منها في قصة حي بن يقظان، وربما كان لقصة الفتية المغررين أثر في هذه