للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

التصورات نفسها. وهذا موضوع منفرد يحتاج ان يدرس على ضوء الرحلات البحرية الأندلسية والأساطير التي بلغت الأندلسيين عن رحلات المشارقة أنفسهم.

ومن الطريف أن يتأمل القارئ ما كان يدور في خيال السرقسطي كلما جعل الهند أو غزنة مكان الأحداث في مقامته. ففي السادسة عشرة وهي المثلثة جعل طريقه بعد ذلك إلى بيت فيه لعب وقمار. وفي مقامته السابعة والأربعين حين كان المسرح هو جزائر الهند اختار ان يكون السهر مع الجواري ومجلس الغناء هو " المصيدة " التي ينصبها أبو حبيب لصاحبه السائب.

ولعل أهم مقاماته في تصوير جانب العيوب الاجتماعية مقامتان هما مقامة الدب وفيها يصور الشيخ أبا حبيب يتكسب من ترقيص دب له، وأناس مجتمعون من حوله، والمقامة التاسعة والاربعون، وفيها يصوره وهو قد انتحل مهنة الطب والعرافة معا، فهو يداوي فتى معه يظهر المرض وشقه مائل والزبد من فمه سائل، بالعزائم، ويقول مخاطبا الجن: " يا مارد سهمك صارد، يا مريد ماذا تريد، ما أطغاك ما اعصاك، ما ابعدك عن الخير وأقصاك، اخرج يا واغل، فانك شاغل، أبعد يا خاتل، فانك قاتل ". ثم ينادي على سلعته معلنا مهارته وحذقه: " أيها عندي في هذا الشأن سراير، وخبايا من الحكمة وضراير، أخذتها عن العلماء، ولقنتها من الحكماء، أين من شكا من هذه الاعراض؟ أين من رمي من هذه الأغراض؟ أين من لحقته آفة؟ أين من برحت به علاقة أو شأفة؟ أين من خامرته الأشواق والوساوس؟ ولعبت به الأجراس والوساوس. أين من سحره ساحر؟ أو دحره داحر؟ اين من لقعته عين أو رهقه دين؟ علي الضمان وأنا

<<  <   >  >>