وربما لم تنفرد المقامات السرقسطية بشيء كثير من التجديد، ولكنها لا تخلو من التفرد الجزئي إذا قورنت بالمقامات المشرقية.
٩ - مقامتان لمحارب بن محمد بن محارب الوادي آشي:
لم تصلنا مقامته في القاضي عياض، وانما وصلتنا واحدة كتب بها إلى القائد عبد الله بن ميمون، وبطلها اسمه " فتح بن ميسور " ومكانها مدينة صور، والشخص الثاني فيها يدعى " ابن منصور " وهو شاب فصيح جميل نشأت بينه وبين فتح ميسور علاقة صداقة، ثم حكم الدهر بفراقهما، فإذا ابن ميسور يبلغ مدينة سلا، ثم تشوق إلى اللحاق بمدينة المرية، وفي سفره إليها مر بمدينة سبتة وقد هجر " طاغوت الصبا وجبته "، وظل يغذ السير حتى وصل وادي آش فرأى لحسن فيها " مقر إيراد وإصدار، وجمال قطر لا يجري على مقدار
بلد حيثما توجهت منه ... قابلت الحسان من كل دار " وبينما هو يرتاح تحت شجرة توت إذا براكب معتم ملثم " جليل له همة تجله، قليل على ظهر المطية ظله "، وتحته فرس حسنة القد مصقولة الأديم، " مصفرة في لون العرجون القديم "، وينتهز محارب هذه الفرصة للاسترسال في وصف الفرس والصقر الذي مع الفارس؛ فوقف فتح يتعرف إلى الفتى ثم يذهب يماشيه مأخوذا بحسن حديثه، ولكنهما ما كادا يبتعدان قليلا في المسير حتى أمطرت السماء، وعندما بلغا مكانا يعرجان عليه عرجا نحو خيمة من الخيام وصلاها والناس نيام، فرحب بهما صاحب