للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

اجل ذلك حملهم ابن حيان مسئولية التضييع واشركهم في ذلك مع الأمراء حين قال: " ولم تزل آفة الناس منذ خلقوا في صنفين هم كالملح فيهم: الأمراء والفقهاء، فلما تتنافر أشكالهم، بصلاحهم يصلحون وبفسادهم يفسدون، فقد خص الله تعالى هذا القرن الذي نحن فيه من اعوجاج صنفيهم لدينا، بما لا كفاية له ولا مخلص منه، فالأمراء القاسطون قد نكبوا بهم عن نهج الطريق ذيادا عن الجماعة، وجريا إلى الفرقة، والفقهاء أثمتهم صموت عنهم، صدوف عما أكده الله تعالى عليهم من التبين لهم، قد أصبحوا بين آكل من حلوائهم، وخابط في أهوائهم، وبين مستشعر مخافتهم، آخذ في التقية في صدقهم " (١) .

وربما الذي كان يعنيه ابن حيان، هو هذه المؤازرة الاجتماعية، أو السلبية المطلقة في سلوك الفقهاء " كجماعة "، غير انه وجد بعض افراد من الفقهاء، من ذوي اليقظة والحرص على مصالح الرعية، ومن دعاة التآلف والتآزر، كالفقيه ابي حفص عمر بن الحسن الهوزني، الذي وقف جهده للتنبيه على ما دهم من حادث بربشتر، وللحض على الجهاد (٢) ، والفقيه ابي الوليد الباجي الذي أخذ يدعو إلى التآزر بين أمراء الطوائف لما رأى فرقتهم وتنابذهم بعد عودته من المشرق، ومضى يحاول أن يصل " ما انبت من تلك الاسباب فقام مقام مؤمن آل فرعون لو صادف اسماعا واعية، بل نفخ في عظم ناخرة، وعكف على أطلال دائرة، بيد انه كلما وفد على ملك منهم في ظاهر أمره، لقيه بالترحيب وأجزل حظه للتأنيس والتقريب، وهو في الباطن يستجهل نزعته، ويستقل


(١) الذخيرة - القسم الثالث (المخطوط) : ٥٨، ونفح الطيب ٦: ١٩٦، والبيان المغرب ٢: ٢٥٤.
(٢) الذخيرة - القسم الثاني (المخطوط) : ٣٣ وما بعدها.

<<  <   >  >>