للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

طلعته (١) ". ولم يكن مقدورا للباجي أن ينجح في مهمته، لأنه لم يكن يرفض عطايا الأمراء، ومن نشب في أعطياتهم فقد أضعف أثر دعوته من أن يبلغ قلوبهم، قال القاضي عياض " " كثرت القالة في أبي الوليد لمداخلته للرؤساء " (٢) . ولما وافق ابن هود على دفع ضريبة للروم شكا الناس ذلك إلى فقيه صالح يسكن في قرية من عمل ابن هود، فقال الفقيه: " هذا لا يكون وانا حي في الدنيا ". ثم ركب إلى ابن هود ووعظه، فقتله ذلك الأمير خوفا من ان يتجاسر غيره على ان يفعل مثل فعله (٣) .

فلما كانت دولة المرابطين، وأساسها ديني، وخلفاؤها الثلاثة ذوو زهد وتبتل وعبادة، قربوا اليهم الفقهاء، ليمنحوا الدولة الصبغة التي يؤثرونها، فارتفع شأن هؤلاء اكثر من ذي قبل. قال المراكشي في وصف حكومة علي بن يوسف: " وكان لا يقطع امرا في جميع مملكته دون مشاورة الفقهاء، فكان إذا ولى احدا من قضاته، كان في ما يعهد إليه ألا يقطع أمرا ولا يبت حكومة في صغير من الأمور ولا كبير إلا بمحضر أربعة من الفقهاء، فبلغ الفقهاء في أيامه مبلغا عظيما لم يبلغوا مثله في الصدر الأول من الأندلس " (٤) .

ونال الفقهاء من تلك الاسباب ثروات ضخمة، أثارت حفائظ الشعب، ولذلك أعلنوا ذممهم وتهكموا بهم وبأسيادهم المرابطين، وتحينوا الفرص ليشفوا منهم الغليل عن طريق الغمز واللمز. وقد نالت رسالة لأبي مروان بن ابي الخصال شهرة واسعة في الأندلس، لا لشيء إلا لأن فيها سبا لجند المرابطين الذين تخاذلوا في قتال العدو، وفيها يقول:


(١) المصدر السابق: ٣٩.
(٢) تذكرة الحفاظ: ١١٨١ والنفح ٢: ٢٧٣.
(٣) البيان المغرب ٣: ٢٢٩.
(٤) البيان المغرب ٣: ٢٢٩.

<<  <   >  >>