إكرامهم، فإذا تلثم عبيدهم ظنهم الناس من المرابطين أنفسهم فسعوا إلى برهم. هذا إلى الملثمين كانوا يستغلون اللثام في ضروب الإساءة والتعدي.
ويبين ابن عبدون أن كثيرا من ضروب الظلم الواقعة على الناس كانت توسم بأسم السلطان، فالمتقبل يحصل مكوسا عالية على السلع، ويحتج الوزير بأن هذا كله " لمنفعة السلطان ". ومن لباقة ابن عبدون هنا محاولته الفصل بين السلطان وما يأتيه الموظفون من شطط إذ يقول: " وعياذا بالله يأمره السلطان أو يقول له: انه مالي، ويدعي ما ليس له، بل أنه [أي المتقبل] يعرق أنه محاسب عليه، مسؤول عنه، فهو الملعون بحق (١) . فاذا تذكرنا كيف أسف ابن عبدون لفقدان السلطان العادل الذي يراعي الناس، أدركنا انه يعتمد اللباقة فحسب حين يبرىء السلطان من الجور الواقع بأسمه على الرعية.
وتقدم لنا رسالة ابن عبدون معلومات هامة عن بعض المظاهر العمرانية والاجتماعية في المدن الأندلسية؟ وبخاصة مدينة اشبيلية؛ فنعرف من هذه الرسالة كيف كانت المدن ذات أسوار تقفل ليلا، ولأبوابها بوابون يدفع الناس لهم مبلغا من المال عند جوازهم بها، ويتهم ابن عبدون أولئك البوابين بالجشع والشطط والمخرقة، ويرى أن يكون لهم أجر مقرر من الدولة، يدفعه صاحب الأحباس والمواريث، وأن لا يعطيهم الناس شيئا من الضريبة بل على سبيل التكرم. وفي خارج الأبواب فئات من الناس تبيع جلود البقر ولحومها. ويوصي ابنعبدون أن يبحث في شأن هذه المبيعات فإنها مسروقة عادة. أما في الداخل فللمدينة حرس مرتبطون يطوفون فيها ليلا ويأخذون من يتهمونه، ويصفهم الكاتب بالشدة