للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الناس لم يعدم هما يؤلم نفسه، وانما يندم عليه في معاده، وغيظا ينضج كبده، وذلا ينكس همته، فما الظن بعد بمن خالكتهم وداخلتهم؟ والعز والراحة والسرور والسلامة في الانفراد عنهم، ولكن اجعلهم كالنار تدفأ بها ولا تخالطها ليلة (١) وفي هذا التيار الفكري الذي سيبلغ ذروته عند ابن باجة ثم عند ابن الطفيل نرى وقع المجتمع في تكوين هذه النظرات، ولو وصلنا كتاب " السياسة " لأبن حزم لكونا عن نظراته في التدبير الفردي صورة أوفى واتم، ولعرفنا على وجه أوضح أثر الحياة الأجتماعية في تكوين نظرته الفلسفية. وفي المنقولات الباقية من هذا الكتاب احكام تدل على انها منتزعة من واقع الأحوال الأندلسية كحديثه عن تنظيم البريد أو حديثه عن الولاة في قوله: " والذي نختاره للأمام على كل حال ألا يطول مدة أمير بلد، ولا سيما البعيدة عنه أو الثغور التي فيها القلاع المنيعة والجند الكثير أو التي فيها المال الكثير، بل يعجل عزل كل أمير يوليه شيئا من ذلك، وأن كان عدلا فاضل السيرة، فيوليه الإمام بلدا من بلاده، أما سائر البلاد فبخلاف ذلك لا يعزل عنهم أحد إلا عن جور ظاهر أو خيانة بينة " (٢) .

فإذا انتقلنا إلى نطاق الفلسفة الالهية وجدنا اثنين من الفلاسفة هما ابن السيد البطليموسي وابن باجة.

وابن السيد لغوي نحوي ولكنه كتب في الفلسفة رسالة صغيرة بعنوان " كتاب الحدائق في المطالب الفلسفية العالية العويصة "، وقد خصص هذا الكتاب للاجابة على سبع مسائل هي: أن ترتيب الموجودات عن السبب


(١) رسائل ابن حزم: ١٢٥.
(٢) مجلة تطوان، العدد الخامس " ١٩٦٠ ": ١٠٥ من مقال للأستاذ محمد إبراهيم الكتاني بعنوان " بين يدي شذرات من كتاب السياسة لأبن حزم ".

<<  <   >  >>