للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الأول يحكي دائرة وهمية، وإن الانسان تبلغ ذاته بعد مماته إلى حيث يبلغ علمه في حياته ويحكي علمه دائرة وهمية، وإن صفات الباري لا يصح أن يوصف بها طريق السلب، وقولهم لا يعرف الله إلا نفسه، والبرهان على بقاء النفس الناطقة بعد الموت (١) . ومما يلفت النظر أن أبن السيد جعل النفوس ستا أي زاد إلى النفوس الثلاث المعروفة وهي النباتية والغضبية والناطقة ثلاث نفوس اخرى هي الفلسفية والنبوية والكلية. وهو لا يعني أن هذه الثلاث أنواع في القسمة الأساسية للنفوس، ولكنه خلط صفات بعض النفوس الناطقة وميز بعض أقسامها. ويعتمد ابن السيد على الفلاسفة اليونانيين، ويورد بعض أقوالهم مثل تالس وزينون وأرسطو وأفلاطون، ولكنا لا نعرف مصدره المباشر، وهو ينقل عن طيماوس لافلاطون في غير موضع. وقد قال الاستاذ آسن بلاسيوس، إن هذه الفقرات التي يوردها ابن السيد من تلك المحاورة لا تتفق مع نصها اليوناني المعروف، مما يثير مشاكل متعددة تتعلق بالمراجع الخاصة بدراسة أفلاطون. ويقول آسن أيضا: وعلاوة على ذلك كله، فإن كتاب الحدائق، يعتبر أول محاولة للتوفيق بين الشريعة الإسلامية والفكر اليوناني (٢) .

وأما ابن باجة، فهو فيلسوف هذه الفترة بلا نزاع. بلي بمحن كثيرة وشناعات من العوام، وقصدوا اهلاكه مرات وسلمه الله منهم. وكان هو ومالك بن وهيب الاشبيلي قرنين في التحقق بعلم الفلسفة، وقد استطاعا أن يفيدا كثيرا من الكتب التي تفرقت من مكتبة الحكم، بعد زوال الدولة الأموية. إلا أن مالك بن وهيب لم يكتب في الفلسفة،


(١) الحدائق: ٦.
(٢) نقلا عن تاريخ الفكر الأندلسي: ٣٣٥.

<<  <   >  >>