للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

غير هؤلاء. ولا ريب في ان هذه الصبغة الشعرية هي التي تجعل حظ اشبيلية من العظمة الادبية مثل حظ اختها قرطبة في العصر السابق. هذا إلى جانب ضروب اخرى من التشجيع الادبي، فللمعتضد ألف الاعلم الشنتمري شرح الاشعار الستة وشرح الحماسة، وألف غيره دواوين وتصانيف لم تخرج إلى الناس (١) ، وباسمه طرز ابن شرف تأليفه المسمى " أبكار الأفكار " وبعث به إليه دون ان يلتحق ببلاطه، وكان من قبل قد وسمه باسم بن حبوس (٢) .

غير اننا يجب ان نتذكر ان هذه الصورة قاصرة، لأنها لا تمثل لإلا علاقة الادب بالحكام، وهي لذلك تعجز ان تنقل لنا مدى النشاط الأدبي والفكري الذي نشأ مستقلا بقوة التطور في هذا العصر وفي أبعاده الحضارية. فهناك الشعر الذي لم يتصل ببلاط الملوك، وهناك المؤلفات الدينية والفلسفية التي انبثقت دون حافز مادي أو تشجيع من ذوي السلطان. وقد كانت العادة ان يؤلف المؤلف كتابا ثم يحاول ان يرفعه إلى أحد الأمراء رجاء الصلة، وهذا شيء مختلف عن اندفاع الأمير نفسه عامدا ليكون حاميا لحركة التأليف. ولو كان الأمر في هذه الناحية معلقا بالرغبة في التقرب من اولي الامر وفي خدمتهم لكان ما ألف في شتى العلوم بحافز من رغبة الحكم المستنصر وإشرافه؟ في العصر الاموي - يفوق كل ما بعث عليه أمراء الطوائف مجتمعين. إلا أن الشعر ينفرد بحكم خاص لأنه شديد الارتباط بالكسب، ولذلك كان اكثر اصحابه بحاجة إلى عطايا الأمراء.

ولما قامت دولة المرابطين، لم يبلغ لديهم تشجيع الادب والتأليف


(١) البيان المغرب ٣: ٢٨٤.
(٢) الذخيرة ٤/١: ١٣٨.

<<  <   >  >>