للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خاصة - والثاني: نظرة أخلاقية في الحكم على فنون الشعر.

ويمثل ابن بسام هذين العنصرين ويزيد عليهما عناصر أخرى تطبيقية. فالفكرة التي قام عليها كتاب " الذخيرة " هي إفهام الأندلسيين ان لديهم موروثا يستحق ان يعتزوا به ويفاخروا سواهم. ولأول مرة نسمع ناقدا أندلسياً يندد بأهل بلده لأنهم ينظرون إلى المشرق نظرة تقليد: " إلا أن أهل هذا الأفق أبوا إلا متابعة أهل الشرق، يرجون إلى أخبارهم المعتادة، رجوع الحديث إلى قتادة، حتى لو نعق بتلك الآفاق غراب، أو طن بأقصى الشام والعراق ذباب، لجثوا على هذا صنما، وتلوا ذلك كتابا محكما. وأخبارهم الباهرة وأشعارهم الثائرة مرمى القصية، ومناخ الرذية، لا يعمر بها خلد، ولا يصرف فيها لسان ولا يد، فغاظني منهم ذلك، وأنفت مما هنالك، وأخذت نفسي بجمع ما وجدت من حسنات دهري، وتتبع محاسن أهل بلدي وعصري، غيره لهذا الأفق الغريب ان تعود بدوره أهله، وتصبح بحاره ثمادا مضمحلة " (١) .

وقد وقع ابن بسام عند التطبيق في خطأين: أولهما انه بعد ان عاب التقليد في أهل بلده عاد في أثناء كتابه يعرض أشعارهم وأساليبهم ومعانيهم في نثرهم على أشعار المشارقة وكتابتهم، ليدل على الأخذ والمحاكاة فكان يثبت لديهم مظاهر التقليد فيما هو يحاول أن يبرز ما لديهم من طارف جديد. والخطأ الثاني كامن في أساس نظرته النفسية إلى الشعر، فهو يجهد نفسه في الاختيار والتقليب بينا هو يرى ان الشعر: " جده تمويه وتخيل، وهزلة تدليه وتضليل، وحقائق العلوم اولى بنا من أباطيل المنثور والمنظوم " (٢) .


(١) الذخيرة ١/١: ٢.
(٢) المصدر نفسه ١/١: ٧.

<<  <   >  >>