للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويقف ابن بسام في وصف الدعوة الخلقية التي نادى بها ابن حزم؟ سواء أكان تأثره به مباشرا أو غير مباشر - وذلك حين يحاول ان يخلي كتابه من الهجاء: " ولما صنت كتابي هذا عن شين الهجاء، وأكبرته أن يكون ميدانا للسفهاء، أجريت هاهنا طرفا من ملح التعريض ". ثم قسم ابن بسام الهجاء في قسمين: قسم يسمى هجو الاشراف، وهو ما لم يبلغ أن يكون سبابا مقذعا، ولا هجرا مستسشعا، والقسم الثاني هو السباب الذي أحدثه جرير وطبقته، وقد آثر ابن بسام أن يورد أمثلة من النوع الأول (١) ولكن تجنب ابن بسام لإيراد الهجاء في كتابه أمر نظري، إذ أن طبيعة بعض الأشعار والحكايات المتصلة بها لا تمكنه من أن يبر بوعده تماما. ومن الطريف أن التعفف عن الهجاء وجد طريقه إلى الشاعر لا إلى الناقد فحسب، فصدف عنه ابن خفاجة وابن حمديس، ومهما نقل بعجز الشاعر عن مزاولة هذا الفن بد من أن نجد له أساسا دينيا في نفسه، أما لدى ناقد يؤرخ أدب عصره مثل ابن بسام فقد نفترض عاملا آخر في إقصاء الهجاء، وذلك هو حرص الناقد على المواضعات والعلاقات الاجتماعية وهو يؤرخ للأحياء من معاصريه.

غير أننا نجد قوة العامل الديني لدى ابن بسام في موضع آخر وهو مقته لمعاني الإلحاد في الشعر وحملته على بعض الشعراء الذين يتفلسفون في افكارهم، أو يستعملون المصطلح الفلسفي، فعندما أورد قصيدة للسميسر جاء فيها:

يا ليتنا لم نكُ من آدم ... أورطنا في شبه الأسر

ان كان قد أخرجه ذنبه ... فما لنا نشرك في الأمر


(١) المصدر نفسه ١⁄٢: ٦١ - ٦٣.

<<  <   >  >>