على حصر سامان مبطن، فقام فتلقى الإخشيد وأقعده على الحصير، ثم قال له: يا أبا سهل أقرأ عليّ فإن الريح آذتني الساعة في الصحراء، فأدخل يده تحت الحصير فأخرج منه منديلاً نظيفاً مطوياً فغطاه على يده وقرأ عليه، فلما انصرف الإخشيد قال لي: ما رأيت أطرف من هذا، لم يقابل وجهي بيده حتى غطاها، وليتك شممت المنديل مبخراً بالند، أفتراه علم أني أسأله فعبأه؟! هذا نظيف ظريف طبعاً.
وكان لا يتأخر عن الجمعة في الجامع العتيق في رجب وشعبان وشهر رمضان، ويركب ليلة الختم إلى الجامع ويحضر الختم والدعاء.
والإخشيد أول من رأينا في موكبه بالليل الشمع على البغال، والفراش راكب، وعلى البغل شمعة من خلف الفراش، يلتفت كل ساعة يصلح الشمعة.
ووقع للإخشيد أمر عجيب، وذلك أن رجلاً من أهل العراق صعد فوق زمزم بمكة وصاح: معاشر الناس، أنا رجل غريب، ورأيت البارحة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول لي: سر إلى مصر والق محمد بن طغج وقل له عني يطلق محمد بن عليّ الماذرائي فقد أضر بولدي. ثم سارت القافلة إلى مصر وسار الرجل ووصل إلى مصر وبلغ الإخشيد خبره. فأحضره وقال: أيش رأيت؟ فأخبره فقال: كم أنفقت في مسيرك إلى مصر؟ قال: مائة دينار، فقال: هذه مائة دينار من عندي وعد إلى مكة ونم في الموضع الذي رأيت فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا رأيته فقل لرسول الله: قد أديت رسالتك إلى محمد بن طغج فقال: بقي لي عنده كذا وكذا، وذكر شيئاً كثيراً، فإذا دفعه إلي أطلقه، فقال له الرجل: ليس في ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم هزل، وأنا أخرج إلى المدينة وأنفق من مالي، وأسير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله واقف بين يديه يقظان بغير منام وأقول له: يا رسول الله أديت رسالتك إلى محمد بن طغج فقال لي: كذا وكذا، وقام الرجل، فأمسكه وقال: حصلنا في الجد، إنما ظننا بك ظناً والآن فما تبرح حتى أطلقه، فأرسل إليه الإخشيد من توسط أمره وأطلقه.
وكان الإخشيد بالشام وبلغه خبر أحمد بن الحسين المتنبي الشاعر، فقال جيئوني به فأحضروه إليه وأكرمه وقال: أنشدني قصيدتك الدالية في ابن