للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والله لا فعلت هذا، ولم أجد فيه حيلة، فقرب الإخشيد ولقيه محمد بن عليّ ولم يترجل له، وعانقه ولم ينبسط الإخشيد، وصاح الإخشيد: هاتوا أبو بكر الكاتب، يعني كاتبه ابن كلا، فسايره وأقبل عليه يحادثه، وبقي محمد بن علي، فقال محمد ابن عليّ لغلمانه: أخرجوني من زحمة الموكب فأخرجوه وسار فرآه الإخشيد وقال لابنه: يا أبا عليّ أين يمضي الشيخ؟ قال: خوف زحمة الموكب، فقال: ردوه، وسايره وعلم أن ذهاب محمد بن عليّ عنه هجنة. قال: ولما قيل لمحمد بن عليّ في الترجل قال: ذهاب المال أهون عليّ من هذا. فلما وصل الإخشيد إلى مصر أقام أياماً وقبض على محمد بن عليّ وابنه.

وكان الإخشيد أزرق بطيناً مشهوراً بالعين، وكان قد تمكن وتشبه بابن طولون، وقصده أمراء بغداد وقوادهم وكتابها وأولاد الوزراء، وأجرى الأرزاق. وهو أول من أقام الراتب، ونكب عماله وكتابه مراراً.

وكان الإخشيد لما قتل محمد بن رائق وسار إلى دمشق وخلا وجهه واستخلف على أعماله، عاد إلى مصر في سنة إحدى وثلاثين، وبلغه ما كان يعمل بجكم بالعراق من النظر في المظالم والجلوس للناس، فجلس بنفسه كل يوم أربعاء. وكان مكرماً للصالحين، ودخل إليه محمد بن أحمد الدينوري منكراً لأمور فأزالها.

وحدثني بعض الشيوخ أنه أفطر ليلة تسع وعشرين ولحقه كسل عن حضور الختم، فقالت له جاريته: تأخر وأنا أعتق عنك غداً عشرة رقاب، فقال: أعشرة رقاب ويحك؟! لعله يكون في هذه الليلة رجل صالح له عند الله منزلة، فيقول في دعائه: اللهم أغفر لجماعتنا، فعسى أن أدخل فيهم، هاتوا ثيابي، فلبس وركب ونزل إلى الجامع العتيق وحضر الصلاة والختم.

وحدثني بعض أهل مصر قال: كنت بالرملة وهو يسير في أحد شوارعها حتى صاحت به امرأة من فوق سطح: أيها الأمير قف علي، بوقوفك بين يدي الله، فرفع وجهه وبادر فنزل عن دابته واتكأ على سيفه وقال: هاتوا المرأة، فوجدها قد

<<  <  ج: ص:  >  >>