للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} ١.

فهذه الآيات المباركات، والآيات التي قبلها في سورة آل عمران فيها تعريضٌ وعذلٌ وعتابٌ لمن انهزم يوم أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتركوا القتال لما سمعوا الصائح يصيح أن محمداً قد قتل، وكذا أولئك الذين نزلوا من الجبل، وتركوا الموقع الذي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بملازمته وعدم تركه كائنا ما كان ٢، فالآيات بين الله عز وجل فيها ثبات هؤلاء الربانيين الصابرين المحسنين، إذ خرجوا للجهاد في سبيل الله عز وجل مع أنبيائهم فثبتوا ولم يفروا، ولم يصبهم وهنٌ ولا ضعفٌ، ولا ذلوا لأعدائهم، وما كان هجيراهم إذ ذاقوا ألم القتال، ومرارة المواجهة مع أعداء الله عز وجل إلا أن قالوا {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} إنهم توسلوا إلى الله عز وجل بخروجهم للجهاد في سبيل إعلاء كلمته عز وجل طالبين مغفرة ذنوبهم، والثبات في ذلك الموطن الشديد، والنصر على أعدائهم الكافرين، إنه لتوسل صحيح يصل به صاحبه إلى مقصده، ولذا أجاب الله دعاءهم بما أرادوا {فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا} أي بالنصر والظفر على أعدائهم، {وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ} وهو النعيم المقيم في الجنة، فكانت الخاتمة الحميدة جزاءهم دنيا وأخرى {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} .

وهذا الموطن من مواطن التوسل شبيه بما وقع من أصحاب طالوت {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ


١ آل عمران: ١٤٦-١٤٨
٢ ينظر سيرة ابن هشام ٢/٧٧-٧٨، وسيرة ابن كثير ٣/٢٩-٤٣.

<<  <   >  >>