للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ. وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} ١.

إنه لمشهد مؤثر يحكي الله عز وجل فيه حال هؤلاء الصابرين الذين اجتازوا الامتحان الذين ابتلوا به، إذ سلط عليه العطش الشديد والماء بين أيديهم، فنهوا عن الشرب من النهر إلا غرفة واحدة بيد الشارب ثم يمسك، فلم ينجح في هذا الامتحان سوى ثلاثمائة وبضع عشرة رجلاً ٢ {فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ} ذلك أنهم رأوا قلة عددهم وكثرة عدوهم فهالهم ذلك الأمر، فما كان من علمائهم الذين يدركون بأن وعد الله عز وجل لهم بالنصر حقٌّ، ولن يخلف الله وعده، فالنصر من عند الله عز وجل، وكثيرا ما غلبت فئةٌ قليلةٌ جماعةً كثيرةً بإذن الله، والله مع الصابرين، أي بنصره ومعونته وتأييده، وهذا حثٌّ منهم لهم على الصبر لأنه من أعظم مقومات النصر، وهنا أقدم المؤمنون على القتال، وبرزوا لجالوت وجنوده، و {قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} هكذا عند ما تركوا الشرب مع عظيم العطش والحاجة إلى الماء، وأقدموا على لقاء العدو، وبرزوا له غير خائفين، عند ما قدموا هذه الوسائل التي تقربهم من ربهم دعوا الله عز وجل بأن ينزل عليهم الصبر، وأن يثبت أقدامهم في لقاء العدو لئلا يجبنوا


١ البقرة: ٢٤٩-٢٥١.
٢ وهذا العدد هو عدد من حضر بدراً من الصحابة رضوان الله عليهم. ينظر: صحيح البخاري ٥/٧٣.

<<  <   >  >>