محمود صالح الضمّور- يوم حصل على المصوّرة- يرحل إلى إستانبول يستدرك ذلك بنسخ ما أخلّت به المصوّرة من المخطوط نفسه في مكتبة فيض الله. ولقد كان على الغاية من الأمانة- كما بدالي- في النسخ.
وإذ ذكرت الصديق الضمّور فلا بدّ لي أن أذكر أنه هو الذي سعى إلى تصوير المخطوط- كما قلت- وإذا حصل على المصوّرة، وأتمّ رسالته عن أبي بكر الخوارزميّ، أطلعني على تلك المصوّرة، فاستقرّ الرأي أن نشترك في تحقيقها إذا اقتنعت بضرورة ذلك. وجاء بعد ذلك سفري إلى الجزائر- الوطن الأرحب- وأنا شبه موقن أنّ إقامتي فيها لن تمتدّ إلى أكثر من ثلاث سنوات، أعود بعدها إلى عملي في جامعة بغداد ومعي رأيي بالمخطوطة وما أنجزته فيها فإن لم ألق الضمّور فيها فما أسهل أن ألقاه في محل إقامته في الأردنّ، ولكن جرت الرياح لا بما تشتهيه السّفن وحدها وإنّما بما لا تشتهيه البحار أيضا، فقد حيل بيني وبين بغداد، حتى توهّمت أنه لو قدّر لأحد أنه يستطيع أن يحول بين بغداد وأحلامي كما هي لفعل.
وزيد على السنوات الثلاث في الجزائر- كما قدّرتها- سبع والمخطوطة تنتظر، فخيّرت نفسي بين أمرين أولهما: أن أنتظر العودة ولقاء الضمّور الذي انقطعت أخباره عني منذ غادرت العراق إلى اليوم فأحرم الدراسات الأدبيّة من كتاب أراه مهمّا في مكتبة الأمثال، وثانيهما أن أنفرد بتحقيقه ذاكرا ما قام به الضمّور ففضّلت- بعد لأي- هذا، وبي أمل وطيد أنه أوّل من يفرح به.