من هذا نجد أن الاعتراف بالمسيحية دينا رسميا للدولة استلزم قيام تنظيم جديد للعلاقة بين الكنيسة من جهة، والدولة المجتمع من جهة أخرى، ذلك أن الامبراطورية الرومانية كان لها دين رسمي وكهنة يتمتعون بمساندة الحكومة وتأييدها. ولكن رجال الدين في العصر الوثني لم يحاولوا التدخل في شئون السلطة الزمنية مطلقا، على عكس الكنيسة التي أخذت تكتسب شيئا فشيئا جديدة منافسة للسلطة العلمانية، مما أوجد نفورا بين السلطتين الزمنية والروحية.
ونلاحظ أيضا أن تدخل الكنيسة في شئون السلطة الزمنية يمتد ويشتد بقوة تبعا لازدياد ضعف الإمبراطورية الرومانية، الذي أدى في النهاية إلى بسط سلطان الكنيسة المطلق وإحلالها محل الأباطرة في تصريف شئون الدولة.
وهكذا أصبح الأساقفة يضطلعون بعبء التنظيم الإداري في أقليم الإمبراطورية الرومانية، فضلا عن قيامهم بمهام التنظيم الكنسي.
ولقد كانت هناك مساجلات بين الأباطرة والباباوات، نذكر منها مساجلة بين فردريك والبابا أدريان الرابع، إذ قال فردريك ردا على رسالة البابا:"إننا نتسلم الإمبراطورية من الله عن طريق انتهاب الأمراء، وإن شريعة الله تقتضي أن يكون حكم العالم بواسطة سيد الإمبراطورية والبابوية، كما قضت تعاليم القديس بطرس بأنه يجب على الناس أن يخافوا الله وأن يحترموا الملك، وعلى هذا يعتبر كل من يقول بأننا تسلمنا التاج الإمبراطوري إقطاعاً من البابا ملحداً باطل العقيدة، لأنه يخالف أوامر الله وتعالم القديس بطرس".
وبهذا استطاع فردريك أن يجعل من نفسه السيد العظيم خليفة قيصر بروسيا ١١٥٢ - ١١٩٠ م.
وقال جريجوري السابع - الذي تولى منصب البابوية سنة ١٠٧٣ م - بشأن الكرسي البابوي:"إن قوة الملوك مستمدة من كبرياء البشر، وقوة رجال الدين مستمدة من رحمة الله، إن البابا سيد الأباطرة، لأنه يستمد قداسته من تراث سلفه القديس بطرس".
على أن هناك مشكلة دينية كبرى ظهرت في ذلك العصر وامتد أثرها عدة قرون في تاريخ غرب أوروبا، فضلا عن شرفها، وهذه المشكلة قامت حول عبادة الصور