ويكفي أن يطلع المرء على كتابات مفكري العصور الوسطى مثل القديس أوغسطينوس ليدرك مدى التأخر العلمي الذي كانت عليه بلاد الغرب المسيحية.
هذا إلى أن إصرار الكنيسة على توجيه الناس إلى الحياة الباطنية "الجوانية" أعمى أنظار المعاصرين عن العالم الطبيعي المحيط بهم، فالقديس أوغسطينوس سنة ٣٥٤ - ٤٣٠ م يبدي دهشته من أن الناس يذهبون بتفكيرهم بعيدا إلى التأمل في ارتفاع الجبال، أو دراسة مدارات الفلك والكواكب، ويهملون التأمل في أنفسهم، بل إن القديس أوغسطينوس نفسه يهزأ من فكرة كون الأرض كروية، تلك النظرية التي عرفها اليونان قبل ذلك بقرون، ويصرح بأن فكرة نصف الكرة الشمالي يقابله نصف الكرة الجنوبي، وأن عليهما مخلوقات خلقها القدير لتدب عليهما - إنما هي فكرة باطلة هرطقية.
وإلى جانب هذا النحطاط في التفكسر العلمي انتشرت الاعتقاد بالخرافات والمعجزات بين أهالي أوروبا الوسطى حتى قضت هذه الشعوذة والأباطيل على البقية من المعرفة العلمية.
ويقول إميل لودفيج:"انتشرت الرهبانية ووجدت بيئة خصبة في مصر، والواقع أن الألوف من أولئك المصريين كانوا من الفلاحين، وليس من المحتمل أن ينتحل الرهبانية ملايين الفلاحين مع استمرارهم على زرع حقول أجدادهم، وقد عانى الفلاحون طائفة من المكاره مدة ثلاثة آلاف سنة من عهد الفراعنة، ومدة سبعمائة سنة من السلطان الأجنبي، وللمرة الأولى يقول أناس من أقوياء الإيمان للعبيد المضطهدين على ضفاف النيل ما ليس لديهم عنه فكر منهم، يقولون لهم إن الإنسان في الحياة الآخرة يحاكم على مقياس آخر فتتوقف سلامته على طهارة قلبه، لا على أبهة ضريحه".
"وتعلن هذه البشرى السارة بلغة الفلاح لأول مرة، وكان الفلاح كارهاً لإغريقية أفلاطون (أنصار الأفلاطونية الجديدة) وللاتينية عباد جوبيتر كابيتو لينوس ...
"ويظهر كهنة إيزيس عزلا، ويمكن الفقراء أن يشعوا ثورة كالتي وقعت منذ ثلاثة آلاف سنة، ويتصرفون في الأمر ببراعة فيوجهون الجموع ضد الأجنبي، ويعد الأغارقة والرومان من عبدة الأصناف للمرة الأولى لا من قبل النصارى، بل من قبل أتباع الدور القديم بمصر.