محمد بزمن قليل، وما كان من نزاع بين المذاهب وضعف في الحكومة البيزنطية قد اجتذب الفرس مرة ثانية، فدام احتلالهم العاصمة عشر سنين، ولكن القضاء على تلك الفوضى كان يتطلب أمة جديدة لم يقدر على استعبادها الأشوريون والفرس والمصريون والبطالمة والرومان.
"وكان أولئك الناس يحملون عن شمالهم سيوفا طويلة، وكانوا يحملون عن يمينهم سيوفا قصيرة محدبة الفصل داخلة في منطق، وكانوا يحملون تروسا مدورة، وكان النبالة منهم يلبسون جوارب وأحذية مستوية، وكان الفرسان منهم يلبسون جراميق وصدرات قصيرة وثلاثة أوشحة ملونة ملفوفة حول الخصر والصدر والرأس، ويدخل العرب في سنة ٦٤٠ م أي بعد وفاة محمد بسنين ثمان، حظيرة التاريخ والدلتا عن انطلاق ديني حربي، يدخلها أبناء البحر والصحراء هؤلاء، يدخلها سكان شبه الجزيرة المجاورة هؤلاء.
"ويستولى عمرو بن العاص، وكان قائدا لجيش الخليفة الثاني عمر، على ميناء بيلوزة، وهليوبوليس ومدن أخرى في الدلتا. ويقوم عمرو بن العاص ويعد نشيده مجدا لمصر، بذلك العمل خلافا لأمر مولاه عمر، الذي قدر عدم كفاية أربعة آلاف فارس لذلك الفتح. ومن النادر أن تسفر مثل تلك المخالفة عن مثل تلك الفائدة، ويدوم سلطان العرب هناك تسعمائة سنة بفضل تلك اليد القوية..
"ويلقي الفاتح حيرة في قلوب البيزنطيين.. وتقوم بيزنطة بأخر محاولة لاسترداد الإسكندرية فتجد جميع مصر مكافحة لها بجانب سادتها الجدد، وتهدم أسوار الإسكندرية بعد أن ظلت عاصمة الدنيا ثلاثة قرون ثم عاصمة مصر وأهم موانئ البحر المتوسط ستة قرون، ويبدو جميع نصارى مصر أنصارا شديدى الحمية للعرب الفاتحين، الذين طردوا السادة الأجانب فتركوا للأقباط الابن الذي هو جوهر الآب، ولم يكرهوهم على عبادة إله واحد ليس ذلك الابن من جوهره.
"ويبني حصن جديد، يبني الفسطاط بالقرب من منفيس وعلى رأس الدلتا، وينقل نحو الشمال نقلا خفيفا في غضون القرون الآتية، ويغدو عاصمة مصر، ويطلق العرب عليه اسم إحدى السيارات مارس التي مرت في ساعات إنشائه الأولى من دائرة نصف نهاره فيدعونه "القاهرة".