عن صحة هذا الافتراض فإن الشاهد الذي ورد مختصرا في الفقرة السابقة يشير إلى أنه فيما يتصل بالإنسان في حالته الراهنة من التطور النشوئي تعد الأصوات وبالأخص سلسلة الأصوات المسموعة التي يمكن أن تنتجها أعضاء النطق الإنسانية الوسيلة الطبيعية أو الأساسية من الناحية البيولوجية التي تتحقق بها اللغة، وإذا كان الأمر كذلك فهناك مبرر للغويين ليس لاستخدامهم مصطلح أعضاء النطق فحسب، ولكن أيضا لافتراضهم علاقة ليست عارضة بين اللغات والكلام.
ورغم ذلك تظل حقيقية وجود اختلاف بين الأولوية البيولوجية والمنطقية وكما أكدنا من قبل فإن للغة درجة عالية من قابلية التحول في الوسيلة، وفي المجرى المعتاد للأحداث يكتسب الأطفال إتقان اللغة المنطوقة اكتسابا طبيعيا "أي: بفضل الموهبة الطبيعية البيولوجية وبدون تدريب خاص" أما القراءة والكتابة فكلتاهما مهارة خاصة يكتسبها الأطفال من خلال برامج تعليمية تعتمد عل المعرفة السابقة باللغة المنطوقة، ورغم ذلك فإن الكبار وليس الأطفال وحدهم في استطاعتهم أن يكتسبوا القراءة والكتابة دون صعوبة مفرطة، ومن الممكن إلى حد بعيد -رغم أنه ليس معتادا- أن يتعلم المرء اللغة المكتوبة دون معرفة مسبقة باللغة المنطوقة المرتبطة بها، ومن الممكن كذلك أن يتعلم المرء نظما اتصالية من الإشارات الإيمائية التي لا تعتمد على اللغة المنطوقة كما لا تعتمد على اللغة المكتوبة، وذلك مثل بعض النظم التي يستخدمها الصم والبكم، وإذا كان من الممكن أن نكتشف مجتمعا يستخدم نظاما اتصاليا كتابيا أو إيمائيا له كل الخصائص المميزة للغة لكنه لم يتحقق أبدا من خلال الوسيلة المنطوقة فإننا بالتأكيد سنشير إلى هذا النظام الاتصالي على أنه لغة، لذلك يجب ألا يؤكد المرء كثيرا على الأولوية البيولوجية للكلام.