ما زال شائعا إلى حد ما أن تسمع غير المتخصصين يتكلمون عن لغات بدائية وهم يرددون حتى الأسطورة التي يحيط الشك بها من أن هناك بعض الشعوب تتكون لغتهم من مزاوجة مائة كلمة مأخوذة من الإيماءات، والحقيقة أن كل لغة درست حتى الآن -مهما كان المجتمع الذي يستخدمها يبدو لنا بدائيا أو غير متحضر في جوانب أخرى- برهنت عند البحث أنها نظام اتصالي معقد ومتطور بدرجة عالية، وبطبيعة الحال فإن الفكرة الإجمالية الخاصة بالتطور الثقافي من البربرية إلى المدنية في حد ذاتها موضع شك كبير غير أنه لا يناط باللغوي مسألة الحكم على صحتها، وما يمكن أن يقوله إنه لم يكشف بعد عن ارتباط بين المراحل المختلفة للتطور الثقافي التي مرت بها المجتمعات وبين نمط اللغة المنطوقة في تلك المراحل الخاصة بالتطور الثقافي، فعلى سبيل المثال ليس هناك شيء مثل نمط لغوي للعصر الحجري، وليس هناك -بقدر ما تلقى البنية النحوية العامة من اهتمام- نمط لغوي يحمل خصائص المجتمعات الجامعة للغذاء أو المجتمعات الرعوية من ناحية أو المجتمعات الصناعية الحديثة من الناحية الأخرى.
وكان من القرن التاسع قدر كبير من التفكير في تطور اللغات من التعقيد البنيوي إلى البساطة ومن البساطة إلى التعقيد، ومعظم اللغويين في هذه الأيام يحجمون عن التفكير في التطور النشوئي للغات بهذا الشكل العام، ويدركون أنه إذا كان هناك أي اتجاه في تطور اللغة منذ نشأتها عند الإنسان من مرحلة ما قبل تاريخ الإنسان إلى وقتنا الحاضر فإنه ليس هناك شاهد يمكن أن يكشف عن أي اتجاه من خلال دراسة اللغات المتكلم بها في الوقت الحاضر أو المتكلم بها في الماضي ونعرف عنها شيئا ما، وكثير من التصورات المبكرة للعلماء عن تطور اللغات تنحاز لصالح ما يمكن أن نطلق عليه اسم اللغات التصريفية مثل اللاتينية والإغريقية.
ويجب أن يقال شيء ما في هذه النقطة عن نشأة اللغة، وهي مشكلة شغلت عقل الإنسان وخياله منذ عهود سحيقة، وقد ناقشها بشكل شامل مناقشة علمانية مميزة عن الدين أو ما وراء الطبيعة فلاسفة الإغريق، ونوقشت في فترات متنوعة منذ ذلك الحين لا سيما في القرن الثامن عشر من وجهة نظر مماثلة إجمالا، وقد لعبت المناقشات الأولى دورا هاما في تطور النحو التقليدي، وقد ساعدت المناقشات التي دارت في أواخر القرن الثامن عشر والتي تعزى للفيلسوف الفرنسي كونديلاك "condillac" والفيلسوف الألماني هردر "Herder" على تمهيد الطريق نحو فهم أفضل للاعتماد المتبادل بين اللغة