والفكر والثقافة، ومنذ القرن التاسع عشر اتجه معظم اللغويين -باستثناء قلة قليلة إلى حد بعيد- إلى تنحية قضية نشأة اللغة بأكملها باعتبارها قضية خارج مجال البحث العلمي دائما، والسبب في ذلك كما رأينا أن اللغويين أدركوا عبر القرن التاسع عشر أنه مهما رجعوا إلى الوراء في تاريخ اللغات المعينة من خلال النصوص التي وصلت إلينا فإنه من المستحيل أن نعثر فيها على أية علامة من علامات التطور النشوئي من وضع أكثر بدائية إلى وضع أكثر تقدما.
غير أن هناك شواهد أخرى بعضها جديد، ومرة أخرى أصبحت نشأة اللغة موضع مناقشة العلماء، وربما كان من السابق لأوانه أن نتحدث عن حلول، ومع ذلك فما يمكن أن نقوله إنه يبدو الآن أكثر إقناعا مما كان عليه منذ سنوات قليلة أن اللغة كانت في الأصل نظاما اتصاليا إيمائيا أكثر منه نظاما اتصاليا منطوقا، وبعض هذه الشواهد النجاح الذي لاقاه علماء النفس في تعليمهم الشمبانزي لغة معقدة إلى حد بعيد فهما واستخداما، وهي بهذا الخصوص نظم إيمائية شبيهة باللغة، ويبدو الآن أن فشل الشمبانزي في اكتساب الكلام في تجارب مماثلة في الماضي يفسره جزئيا على الأقل اختلافات بسيطة نسبيا لكنها هامة في جهاز النطق عند الإنسان وجهاز النطق عند الشمبانزي، واتضح أيضا من خلال دراسة الحفريات أن جهاز النطق عند الإنسان النياندرتالي١ يشبه إلى حد كبير النطق عند الشمبانزي وغيرها من الحيوانات الراقية أكثر مما يشبه جهاز النطق عندنا، ولدى الشمبانزي وغيرها من الحيوانات الراقية مجال محدود من النداءات المنطوقة غير أن
١ نسبة إلى وادي النياندرتال قرب دوسيلدورف بألمانيا حيث وجدت بقايا هيكل عظمي لإنسان قديم.