الاتصال فيما بينها يتم في بيئاتها الطبيعية بصورة شاملة إلى حد بعيد عن طريق الإيماءات، وما يفترضه هذا الشاهد وغيره أن اللغة قد تكون تطورت في البداية كنظام إيمائي في وقت ما عندما كان أسلاف الإنسان يقفون على أقدامهم ومن ثم كانوا أحرار اليدين وقد زاد حجم المخ واكتسب الإمكانيات الخاصة بمعالجة الوظائف المعقدة في نصف المخ المهيمن، وفي بعض النقاط ولأسباب بيولوجية مقبولة تحول النظام الإيمائي إلى نظام نطقي واكتسب نتيجة لذلك خاصة الازدواجية التي تسمح كما رأينا من قبل بزيادة كبيرة إلى حد بعيد في المفردات، ويترتب على ذلك ألا تكون جميع الخصائص المميزة للغات كما عرفناها موجودة فيها منذ البداية، وأن تكون اللغة قد تطورت في الحقيقة من اللا لغة.
ومع ذلك تظل الحقيقة فليس فقط أن كل اللغات المعروفة توجد فيها القناة المسموعة المنطوقة التي تستخدم بشكل أساسي وطبيعي للتوصيل بل إنها جميعا كذلك ذات تعقيد متساو تقريبا بقدر ما تلقى أبنيتها النحوية من اهتمام.
والاستثناء الوحيد الواجب من ذلك التعميم الأخير يتعلق باللغات الهجينة وهي لغات خاصة تستخدم في التجارة أو في أغراض شبيهة بين أولئك الذين ليس لهم لغة مشتركة أخرى، وتتميز اللغة الهجينة بأنها ذات قواعد بسيطة ومفردات محدودة للغاية إذا ما قورنت باللغة أو اللغات التي تقوم عليها، غير أنها تستخدم في أغراض محدودة للغاية، وعندما تستخدم ما تعد في الأصل لغة هجينة كلغة أم لجماعة لغوية -وهو ما يحدث عادة- فلا تزود نفسها بمفردات أكثر اتساعا فحسب بل تطور التعقيد النحوي الخاص بها كذلك ومن هذه الناحية أكثر مما يكون من ناحية نشأتها يميز اللغويين اللغات الهجينة