الحركات السابقة أو طبيعتها أو ترتيبها، فالحالة الراهنة للمبارة يمكن أن توصف وصفا تزامنيا دون الإشارة إليها، وكذلك الأمر تبعا لسوسير فيما يتعلق بالتطور التاريخي للغات فكل اللغات تتغير باستمرار لكن كل حالة من الحالات المتعاقبة للغة ما يمكن -ويجب- أن توصف في حد ذاتها دون الإشارة إلى الحالة التي تطورت منها أو التي يبدو أنها ستتطور إليها.
وقد يبدو ذلك كله نظريا ومجردا بدرجة عالية غير أن له تضمينات عملية إلى حد بعيد، أولها يتعلق بما سأدعوه الزيف التأصيلي، والتأصيل١ دراسة أصول الكلمات وتطورها، وقد أخذ وجهته -بقدر ما تلقى التقليدية النحوية الغربية من اهتمام- في تأملات بعض الفلاسفة الإغريق في القرن الخامس قبل الميلاد ويكشف مصطلح التأصيل عن نفسه بنفسه، فالمصطلح يتضمن الحروف اللاتينية التي تكتب بها صيغة الكلمة الإغريقية "etumos" ومعناها أصلي أو حقيقي، وتبعا لإحدى مدارس فلاسفة القرن الخامس ترتبط كل الكلمات -بطريقة طبيعية أكثر منها عرفية- بما تشير إليه، وقد لا يكون هذا الارتباط واضحا لغير المتخصص غير أن الفلاسفة يستطيعون توضيحه حيث يستطيعون إبانة الحقائق التي تقع وراء مظاهر الأشياء، واختراق المظاهر المختلفة عادة بالتحليل الدقيق للتغيرات التي تحدث في تطور صيغة كلمة ما أو معناها للكشف عن أصل الكلمة، ويكشف معناها الحقيقي عن إحدى حقائق طبيعتها، وما أشرت إليه بالزيف التأصيلي هو ذلك الافتراض الذي يذهب إلى أن الصيغة الأصلية أو المعنى الأصلي لكلمة ما -بالضرورة وبفضل الحقيقة المجردة- هي الصيغة الصحيحة أو المعنى الصحيح، وهذا
١ التأصيل "etymology" مصطلح يستخدم استخداما تقليديا لدراسة أصول صيغ الكلمات ومعانيها، وبدلا من أن يأخذ التأصيل طرائقه ومناهجه من علم اللغة "وبصفة خاصة علم الدلالة" فإنه قد يبدو فرعا من علم اللغة التاريخي.