الافتراض يتمسك به على نطاق واسع، كيف نواجه عادة القول بأن كلمة كذا وكلمة كذا بسبب مجيئها من اللغة الإغريقية، أو اللغة اللاتينية، أو اللغة العربية، أو أي لغة أخرى يجب أن يكون معناها الصحيح في لغة الأصل؟ وهذا القول غير صحيح؛ لأن الافتراض المفهوم ضمنا الحقيقة الأصلية أو التوافق المناسب بين الصيغة والمعنى التي يقوم عليها القول لا يمكن إقامة الدليل عليه.
وقد قام التأصيل في القرن التاسع عشر على أقدام ثابتة أكثر مما كان عليه في الفترات السابقة، وليس هناك أنسب مما قرره فولتير "voltaire" من أن التأصيل علم لا تلقى فيه الحركات اهتماما بينما تلقى الصوامت قليلا من الاهتمام، ويعد التأصيل -كما يمارس اليوم- فرعا هاما من فروع علم اللغة التاريخي وللتأصيل -كما سنرى في الفصل السادس- أسسه المنهجية الخاصة التي تعتمد بشكل موثوق به على شواهد كمية ونوعية تحتشد عليها، وفي أمثلة مواتية تكون الثقة في إعادة البناء التأصيلي حقيقية إلى حد بعيد.
ومن النقاط التي أصبحت واضحة لعلماء التأصيل في القرن التاسع عشر، ويسلم بها الآن كل اللغويين أن معظم كلمات معجم أي لغة من اللغات لا يمكن العودة بها إلى أصولها، والكلمات التي خلقت عن عمد عن طريق استعارة صيغ من لغات أخرى أو باستخدام أي قاعدة أخرى ليست نموذجا للمفردات ككل، وينطبق ذلك أيضا -وبالتأكيد- على ما يعتبر مفردات أكثر أساسية وغير اصطلاحية في لغة من اللغات، وما يقوم به عالم التأصيل اليوم أنه يربط الكلمات الخاصة بحالة لغة ما يمكن وصفها وصفا تزامنيا بما يصدق عليها أو بما أعيد بناؤه من حالات سابقة من اللغة نفسها أو من بعض اللغات الأخرى، لكن كلمات الحالة السابقة للغة نفسها أو كلمات اللغة الأسبق تطورت هي أيضا من كلمات أخرى قبلها، وما إذا كانت الصيغ أو المعاني الخاصة بهذه