للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويتحدث اللغويون أحيانا بطريقة غامضة إلى حد ما كما لو كان مرور الوقت في حد ذاته كافيا لتوضيح تغير اللغة، وهناك عوامل كثيرة مختلفة داخل اللغة وخارجها يمكن أن تكون سببا في تغير حالة تزامنية إلى حالة تزامنية أخرى، وبعض هذه العوامل -وربما كان أكثرها أهمية- اجتماعية، ومرور الزمن وحده يسمح لهذا التفاعل المعقد أن يحدث ما يميز فيما بعد كمرحلة انتقال من حالة للغة لحالة أخرى.

وأكثر من ذلك فإن مفهوم التطور التاريخي بين الحالات المتعاقبة للغة ما يكون ذا أهمية إذا ما طبق فقط على ما يتصل بالحالات اللغوية التي تبتعد نسبيا فيها الواحدة عن الأخرى من حيث الزمن، وقد أشرت من قبل لما أسميته تصور التجانس وهو مفيد وضروري فيما يتصل بهذا الموضوع، وعلى كل حال إذا افترضنا أن التغير اللغوي يشمل تحويلا مستمرا عبر الزمن لما يكون في أي وقت نظاما لغويا متجانسا إلى حد بعيد، فإن العملية الكاملة للتغير في اللغة ستبدو أكثر غموضا بكثير عما هي عليه في الحقيقة، وما يميز كلام مجموعة قليلة من أفراد جماعة لغوية لا وزن لها من حيث الظاهر في وقت من الأوقات قد ينتشر فيما بين معظم الجماعة عبر جيل واحد أو جيلين، وربما كان مشروعا إلى حد بعيد للغوي الذي يصف اللغة وصفا تزامنيا في أي من هاتين النقطتين الزمنيتين أن يهمل كلام الأقلية المختلف، لكنه إذا فعل ذلك واستمر يتكلم تاريخيا من أن أحد النظم اللغوية المتجانسة من الناحية التزامنية قد تحول إلى نظام لغوي آخر متجانس بصورة مماثلة فإنه سيكون متهما بتشويه الحقائق، وأسوأ من ذلك أنه يخاطر بأن يخلق لنفسه مشكلات نظرية زائفة لا حل لها، وبالمرة فإننا ندرك أنه ليست هناك لغة ثابتة أو موحدة حتى الآن، وبذلك نكون قد خطونا الخطوة الأولى تجاه التفسير النظري لاستمرارية التغير اللغوي من حيث الزمان، ومن حيث المكان، ولو أننا أخذنا حالتين تاريخيتين محددتين للغة ما لم تفصل بينهما فترة زمنية طويلة فمن المحتمل أن نجد أن معظم الاختلافات، بينهما موجودة كذلك كتنوع تزامني في كلا المرحلتين السابقة واللاحقة، ومن وجهة النظر المجهرية -باعتبارها متميزة عن وجهة النظر المجردة التي يتبناها المرء عادة في علم اللغة التاريخي- من المستحيل أن نرسم مميزا حادا بين التغير التاريخي والتنوع التزامني.

والخلاصة إن مبدأ أولوية التنوع التزامني صحيح لكنه بدلا من أن يعتمد على تصور التجانس يجب أن يطبق بوعي وإدراك تام للحالات النظرية الخاصة بتصور النظام اللغوي، وهو ما يتصل بالنقطة التي سنتحول الآن إليها.

<<  <   >  >>