للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك عقدة أوديب قد لا نجدها في بعض المجتمعات, وهذا يتوقف على طبيعة العلاقة الاجتماعية بين الطفل والأهل, ففي جزر تروبرياند تنصب عقدة أوديب على الخال وليس على الأب باعتبار أن الخال هو الأب الروحي والمسئول عن تربية الأطفال، ولا يمكن تحديد دور الأب نظرًا لتعدد علاقة الأم بالجنس الآخر, وإذا كان علماء النفس في أوربا ومنهم "بياجيه" قد عمدوا إلى تقسيم النمو إلى مراحل، فإن هذا الحماس لم يكن واردًا وبنفس الدرجة عند علماء النفس في أمريكا.

إن جيزل Gessell الذي يعتبر من أئمة علماء النفس التكويني لم يحدد بوضوح مراحل النمو المختلفة عند الطفل, بل يكتفي بدراسة النمو وعلاقة الطفل مع الآخرين منذ الولادة وحتى العاشرة, ومن العاشرة وحتى السادسة عشرة, وهو يتكلم عن الخصائص المميزة لكل سن, ويعتقد بوجود أزمة في النمو تبدأ في السادسة تقريبًا بحيث ينتقل الطفل من البيت إلى عالم المدرسة.

وإذا كان "فالون" يعتبر مثلا أن سن الثالثة هي مرحلة تأزم في شخصية الطفل تعرف بأزمة المعارضة، فإن علماء النفس يختلفون في تظرياتهم وتفسيراتهم, فمنهم من ينظر إلى النمو من وجهة التحليل النفسي كما فعل فرويد وأتباعه, ومنهم من ينظر إليه من ناحية التداخل الاجتماعي والانفعالي، ومنهم من ينظر إلى الموضوع من زاوية التطور العقلي والعمليات العقلية, ولا يمكننا الآن الدخول في التفاصيل.

ولكن كيف يحاول "بياجيه" الخروج من المأزق؟ وهل تقسيماته للنمو العقلي لا يمكن الاعتماد عليها لأنها ليست شاملة؟

إن المحور الأساسي عند "بياجيه" ليس الحدود أو التقسيمات الزمنية التي تتبدل وتتغير بالنسبة للأطفال والمجتمعات، ولكن تفكير "بياجيه" يرتبط بنظام التدرج أي تدرج العمليات العقلية ومرورها بمراحل تطور ثابتة, فهناك في المرحلة الأولى الذكاء الحسي الحركي، يليه الذكاء الحدسي فالذكاء المحسوس، وأخيرًا الذكاء المجرد, وإن معظم اختبارات "بياجيه" التي سيرد ذكرها فيما بعد تشير بوضوح إلى هذا التدرج الثابت في تطور العمليات العقلية، والبناء العام هو حصيلة البناءات العديدة المتدرجة والتي تصل أخيرًا بالطفل إلى درجة التوازن

<<  <   >  >>