وَكَذَلِكَ مَا يُحْتَجُّ بِهِ مِنْ رِحْلَةِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالتَّابِعِينَ فِي سَمَاعِ أَحَادِيثَ مُعَيَّنَةٍ إِلَى الْبِلادِ مِمَّا يَطُولُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ سِيَاقُهَا، فَلا دَلِيلَ فِيهِ أَيْضًا، لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ جَوَازِ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الأَحَادِيثُ لَمْ تَتَّصِلْ مِنْ كُلِّ رَجُلٍ نِسْبَتُهَا مِنْ جِهَةٍ صَحِيحَةٍ، فَكَانَتِ الرِّحْلَةُ لِتَحْصِيلِهَا لا لِلْعُلُوِّ فِيهَا.
نَعَمْ لا رَيْبَ فِي اتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا عَلَى الرِّحْلَةِ إِلَى مِنْ عِنْدِهِ الإِسْنَادِ الْعَالِي، وَإِنْ كَانَ قَدْ حَصَلَ لَهُمْ ذَلِكَ بِنُزُولٍ مِمَّنْ سَمِعَهُ مِنَ الشَّيْخِ الَّذِي يَرْحَلُ إِلَيْهِ، وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ عَلَى الْجُمْلَةِ مِنْ عَمَلِهِمْ وَبِهِ يَسْتَدِلُّ أَيْضًا لِتَرْجِيحِ الإِسْنَادِ الْعَالِي مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ يَتَضَمَّنُ تَنْقِيصَ جِهَاتِ الْخَلَلِ فِي الإِسْنَادِ، فَإِنَّهُ كَافٍ فِي تَرْجِيحِ الْعُلُوِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
ذَكَرَ الْعَلامَةُ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الصَّلاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ عُلُومِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ قَرَأْتُهُ بِكَمَالِهِ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الدِّمَشْقِيِّ بِسَمَاعِهِ مِنْ مُصَنَّفِهِ حُضُورًا فِي الْخَامِسَةِ: أَنَّ عُلُوَّ الْحَدِيثِ يَنْقَسِمُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ: أَوَّلُهَا: الْقُرْبُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْنَادٍ نَظِيفٍ غَيْرِ ضَعِيفٍ، وَهُوَ أَجَلُّ أَنْوَاعِهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ الطُّوسِيِّ الَّذِي تَقَدَّمَ: قُرْبُ الإِسْنَادِ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
وَثَانِيهَا: الْقُرْبُ مِنْ إِمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ كَمَالِكٍ وَشُعْبَةَ وَسُفْيَانَ وَالْحَمَّادَيْنِ وَأَمْثَالِهِمْ، وَإِنْ كَثُرَ الْعَدَدُ مَا بَيْنَ ذَلِكَ الإِمَامِ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الَّذِي اعْتَبَرَهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مِنَ الْعُلُوِّ، وَفِي كَلامِهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ لا يَعْتَبِرُ غَيْرَ هَذَا النَّوْعِ، وَلَكِنَّهُ مُتَأَوِّلٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute