القفر وأتفكر في عظمة الله وقدرته إذ رأيت طائرا أبيض مثل النعامة كبيرا وقد وقع على تلك الصخرة - وأومى بيده إلى صخرة بيضاء - فتقيأ رأسا ثم رجلا ثم ساقا وإذا هو كلما تقيأ عضوا التمت بعضها إلى بعض أسرع من البرق فإذا هم بالنهوض نقره الطائر فقطع أعضاءه ثم يرجع فيبتله فلم يزل على ذلك أياما فكثر تعجبي منه وازددت يقينا بعظمه الله وعلمت أن لهذه الأجساد حياتا بعد الموت وذكر أنه سأل عن ذلك الرجل يوما عن أمره فقال: أنا عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي بن أبي طالب أمر الله هذا الملك أن يعذبني إلى يوم القيامة قال: قال لي الملك: قد أتاني النبي صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أخرج بهذا الجسد إلى جزيرة من البحر الأسود التي تخرج منها هوام أهل النار فأعذبه إلى يوم القيامة.
وقد رويت هذه الحكاية من وجه آخر خرجها ابن النجار في تاريخه من طريق السلفي بإسناد له إلى الحسن بن محمد بن عبيد اليشكري حدثنا إسماعيل بن أحمد بن علي بن أحمد بن يحيى بن النجم، سنة عشر وثلاثمائة أنه حضر مع يوسف بن أبي التياح ببلاد سنباط حضر مجلسه وحدثنا عن راهب سماه فأحض يوسف الراهب فحدثه الراهب بعد الإمتناع أن ملكا نفاه إلى جزيرة على البحر منفردة قال: لرأيت يوما طائرا فذكر شبيها بالحكاية.
ورويت من وجه آخر من طريق أبي عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم الرازي صاحب السداميات المشهورة عن علي بن هارون عن محمود الوارق حدثنا أبو محمد بن عبد الرحمن بن عمر البزار سمعت أبا بكر محمد بن أحمد بن أبي الأصبغ قال: قدم علينا شيخ غريب فذكر أنه كان نصرانيا سنين وأنه تعبد في صومعة قال: فبينما هو ذات يوم جالسا إذ جاءه طائر كالنسر أو كالكركي فذكر شبيها بالحكاية مختصرا.
وكل ما ورد من هذه الآثار فإنه محمول على أن الأرواح تنتقل من مكان إلى مكان ولا يدل على أنها تستقر في موضع من الأرض والله أعلم.
ويشهد لهذا ما روي عن شهر بن حوشب قال: كتب عبد الله بن عمرو إلى أبي بن كعب يسأله أين تلتقي أرواح أهل الجنة وأهل النار فقال: أما أرواح أهل الجنة فبالبادية وأما أرواح الكفار فبحضرموت ذكره ابن منده تعليقا.