للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحياة الأولى هي القبر للسؤال وإن كان الأكثرون خالفوا في ذلك.

فهؤلاء السلف كلهم صرحوا بأن الروح تعاد إلى البدن عند السؤال وصرح بمثل ذلك طوائف من الفقهاء والمتكلمين من أصحابنا وغيرهم كالقاضي أبي يعلى وغيره وأنكر ذلك طائفة منهم ابن حزم وغيره وذكر أن السؤال للروح خاصة وكذلك سماع الخطاب وأنكر ألا تعاد الروح إلى الجسد في القبر للعذاب وغيره وقالوا: لو كان ذلك حقا للزم الإنسان أن يموت ثلاث مرات ويحيى ثلاث مرات والقرآن دل على أنهما موتتان وحياتان وهذا ضعيف جدا فإن حياة الروح ليست حياة تامة مستقلة كحياة الدنيا وكالحياة الآخرة بعد البعث وإنما فيها نوع اتصال الروح في البدن بحيث يحصل بذلك شعور البدن وإحساس بالنعيم والعذاب وغيرهما وليس هو حياة تامة حتى يكون انفصال الروح به موتا تاما وإنما هو شبيه بانفصال روح النائم عنه ورجوعها إليه فإن ذلك يسمى موتا وحياة.

كما كان يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استيقظ: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور" ١، وسماه الله تعالى وفاة لقوله: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى} [الزمر: ٤٢] الآية ومع هذا فلا ينافى ذلك أن يكون النائم حيا وكذلك اتصال روح الميت ببدنه وانفصالها عنه لا توجب أن يصير حيا حياة مطلقة.

وممن رجح هذا القول - أعني السؤال والنعيم والعذاب للروح خاصة - من أصحابنا ابن عقيل وأبو الفرج ابن الجوزي في بعض تصانيفهما واستدل ابن عقيل بأن أرواح المؤمنين تنعم في حواصل طير خضر وأرواح الكفار في حواصل طير سود وهذه الأجساد تبلى فدل ذلك على أن الأرواح تنعم وتعذب في أجساد أخر وهذا لا حجة فيه لأنه لا ينافي اتصال الروح ببدنه أحيانا مع فنائه واستحالته.

واستدل طائفة ممن ذهب إلى هذا القول بما روى منصور بن عبد الرحمن عن أمه قال: دخل ابن عمر المسجد وابن الزبير قد قتل وصلب فقيل له: هذه أسماء بنت أبي بكر في المسجد فقال لها: اصبري فإن هذه الجثة ليست بشيء وإنما الأرواح عند الله فقالت: وما يمنعني من الصبر وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني


١ أخرجه البخاري "ح ٦٣١٢" من حديث حذيفة. ومسلم "٢٧١١" من حديث أبي ذر..

<<  <   >  >>