للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقد علق ابن تيمية في "المسودة" تعليقا لطيفا على تقرير ابن عبد البر بما يشبه هذا السؤال فقال: "هذا الإجماع الذي ذكره في خبر الواحد العدل في الاعتقادات يؤيد قول من يقول: إنه يوجب العلم، وإلا فما لا يفيد علما ولا عملا كيف يجعل شرعا ودينا يوالى عليه ويعادى؟ " (١) .

وقد سبق أن ابن حزم يتلازم عنده إيجاب العمل بخبر الواحد وإفادته للعلم، فلم يبق للخلاف المذكور عند الجمهور إلا الثمرة الثانية التي سيأتي الحديث عنها.

وأيًّا ما كان فإن جماهير العلماء عدُّوا قول من يفرق بين العقائد والأحكام في إثباتها بخبر الواحد قولاً مبتدعاً لم يكن معروفاً عند السلف الماضين، وإنما تسرب إلى المتأخرين من الفقهاء والأصوليين وبعض المشتغلين بالحديث.

ويبدو أن السلف مجمعون إجماعاً سكوتياً على قبول خبر الواحد في العقائد كقبوله في مجال الأحكام، وقد صرَّح ابن القيم وغيره بأن الإجماع على قبول أخبار الآحاد في إثبات صفات الرب سبحانه بها إجماع معلوم متيقن "لا يشك فيه من له أقل خبرة بالمنقول" (٢) .

ولم يخرق هذا الإجماع إلا بعض متأخري المتكلمين (٣) ، وتسربت منهم هذه التفرقة بين العقائد والأحكام إلى الأصوليين والفقهاء وبعض


(١) المسودة في أصول الفقه ص ٢٤٥.
(٢) مختصر الصواعق المرسلة ص ٥٠٢.
(٣) مختصر الصواعق المرسلة ص ٤٨٩.

<<  <   >  >>