للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

المشتغلين بالحديث، واشتهرت هذه التفرقة حتى ادعى بعضهم الإجماع عليها إجماعاً مضاداً للإجماع السابق، كما يفهم من السؤال الذي أورده الآمدي على قبول خبر الواحد وهو: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كما أنه كان ينفذ الآحاد لتبليغ الأخبار كان ينفذهم لتعريف وحدانية الله تعالى، وتعريف الرسالة، فلو كان خبر الواحد حجة في الإخبار بالأحكام الشرعية لكان حجة في تعريف التوحيد والرسالة وهو خلاف الإجماع" (١) !! أي: إن إثبات التوحيد والرسالة بخبر الواحد خلاف الإجماع، فيا ترى إجماع من هذا؟ الناقض لإجماع السلف على عكس ما يثبته؟! مع أن أصوليين آخرين لم ينسبوا التفرقة إلا لبعض المتكلمين (٢) ، فأين ذلك من الإجماع؟

بل إن تتبع أقوال السلف قد هدى إلى أن القول بالتفرقة قول مبتدع؛ فالإمام الشافعي مثلا، وهو أبرز علماء السلف الذين دافعوا عن حجية خبر الواحد لم أقف في كلامه على أي إشارة لهذه التفرقة المبتدعة، فهو لم يتطرق للتنصيص على حجية خبر الواحد في العقائد، والأحكام، وذلك يعزز بدعية هذه التفرقة وحدوثها بعده، ويؤذن بتسويته بين المجالين في الاحتجاج بخبر الواحد كما يفهم من كثير من إطلاقاته كقوله بعد سرد أعلام من التابعين وغيرهم: "كلهم يحفظ عنه تثبيت خبر الواحد عن رسول الله والانتهاء إليه، والإفتاء به، ويقبله كل واحد منهم عمن


(١) انظر: الإحكام ٢/٦٣.
(٢) البحر المحيط ١/٢٦٢.

<<  <   >  >>