للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(فأما حديث توسل آدم بحق محمد فالجواب أن هذا الحديث ساقط، لأن عبد الرحمن بن زيد ضعيف بالاتفاق ضعّفه مالك، وأحمد، وابن معين، وابن المديني، وأبو زرعة، وأبو داود، وابن سعد، وابن أبي حاتم، وابن خزيمة، وابن حبان، قال ابن الجوزي: أجمعوا على ضعفه، فهذا كما ترى تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو من هو. وقال الحافظ الذهبي في "تلخيص المستدرك" لما ذكر الحاكم هذا الحديث، فقال: هذا صحيح.

قال الذهبي: أظنه موضوعًا ثم هو مخالف للقرآن؛ لأن الله عز وجل ذكر قصة آدم عليه السلام، وتوبته وتوسله، ولم يذكر الله أنه توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم) ١.

ويوضح الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن المعنى الصحيح لحديث "أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي ... " -وهو في السنن- حيث استدلوا به على سؤال الله بخلقه فقال الشيخ رحمه الله في بيان معناه:

(وأما ما ورد في السنن "بحق السائلين عليك" وبحق ممشى الذاهب إلى المسجد ونحو ذلك، فالله سبحانه وتعالى جعل على نفسه حقا تفضلا منه وإحسانا إلى عباده، فهو توسل إليه بوعده، وإحسانه، وما جعله لعباده المؤمنين على نفسه حقا تفضلا منه، وإحسانا إلى عباده، فليس هذا من الباب أعني باب مسألة الله بخلقه، وقد منعه فقهاء الحنفية، كما حدثني به محمد بن محمود الجزائري الحنفي ٢ رحمه الله بداره بالاسكندرية، وذكر أنهم قالوا: لا حق لمخلوق على الخالق.

ويشهد لهذا ما يروى أن داود قال: "اللهم إني أسألك بحق آبائي عليك، فأوحى الله إليه: أي حق لآبائك عليّ" أو نحو هذا. والحق المشار إليه بالنفي هذا غير ما تقدم إثباته. فإن المثبت بمعنى الوعد الصادق وما جعله الله للماشي إلى الصلاة، وللسائلين من الإجابة، والإنابة فضلا منه وإحسانا، والمنفي هنا هو الحق الثابت بالمعارضة، والمقابلة على الإيمان والأعمال الصالحة. فالأول يرجع ويعود إلى التوسل بصفاته الفعلية والذاتية، والثاني يرجع إلى التوسل بذوات المخلوقين، فتأمله فإنه نفيس جدا) ٣.


١"الدرر السنية" ٩/٢٣٣ بتصرف يسير.
٢ أحد شيوخ الشيخ عبد اللطيف في مصر، فقيه، مقرئ، تولى إمارة إفتاء الاسكندرية في عهد محمد علي، وله عدة مؤلفات، توفي سنة ١٢٦٧هـ. انظر: "معجم المؤلفين" ١٢/٥، وانظر: تعليق محمد حامد الفقي على كتاب "مصباح الظلام"، ط أنصار السنة المحمدية، ص١٦٦، ١٦٧.
٣ "مصباح الظلام" ص١٧٩، ١٨٠.

<<  <   >  >>