للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو أحيي ميتي، أو اشف مريضي إلى غير ذلك مما هو من الأفعال الخاصة بالواحد الفرد الصمد. بل يقال لمن له قدرة كسبية قد جرت العادة بحصولها ممن أهله الله لها، أعني في حمل متاعي أو غير ذلك، والقرآن ناطق بحظر دعاء كل أحد، لا من الأحياء، ولا من الأموات سواء كانوا أنبياء، أو صالحين، أو غيرهم، وسواء كان الدعاء بلفظ الاستغاثة، أو بغيرها، فإن الأمور غير المقدورة للعباد لا تطلب إلا من خالق القدر ومنشئ البشر، كيف والدعاء عبادة وهي مختصة به سبحانه) ١.

ويرد الشيخ ابن سحمان على ما زعمه الخصوم حين ظنوا أن السكين لا يقطع بنفسه، وإنما القاطع هو الله تعالى، والسكين سبب عادي خلق الله تعالى القطع عنده، فيقول رحمه الله:

(فالجواب أن يقال: هذا القول من أقوال أهل البدع والأهواء، وليس هو من كلام أهل السنة والجماعة. قال شيخ الإسلام: وهؤلاء هم الاقترانية الذين يقولون إن الله يخلق عند السبب، لا بالسبب ومن نحا نحوهم من المتصوفة القائلين بإسقاط الأسباب الظاهرة، وذلك لأن عندهم ليس في الوجود شيء يكون سببا لشيء أصلا، ولا شيء جعل لشيء ولا يكون شيء لشيء، فالشبع عندهم لا يكون بالأكل.. ولا الطاعات عندهم سبب الثواب، ولا المعاصي سبب للعقاب) ٢.

ويبطل القصيمي دعواهم بالمجاز العقلي في هذه الشبهة، فيقول:

(إذا كان إدخال المجاز جائزا لديكم في الأدعية وفي النداء، وفي كل الأقوال المعبرة عن الاعتقاديات، وعن الديانات فهل ترون أن هذا جائز بلا قيد ولا شرط في هذه المسائل بحيث إدخال المجاز في كل قول وفي كل دعاء ما دام مقبولا في قانون البلاغة وعلوم المجازات؟ أم أنتم لا تدعون هذه الدعوى ولا تذهبون هذا المذهب، فلا تطلقون جواز المجاز في جميع أقوال العبادات.. إنه لا فرار لكم من اختيار أحد المذهبين، وأيا اخترتم فقد خصمتم، ولا ريب فإنكم إذا اخترتم الرأي الأول، وزعمتم أن المجاز جائز مطلقا بلا قيد ولا شرط في كل كلام ومقال، قيل لكم هذا باطل بالإجماع والضرورة فإنه لو كان صحيحا حقا لما استطعنا أن نخطئ، ولا أن نعارض من قال مثلا عيسى هو ابن الله، أو قال علي بن أبي طالب هو خالق محمد عليه السلام ... وذلك أن هنالك مجاز الحذف، فيرد بقوله عيسى هو ابن الله أي ابن أمة الله ... وبقوله علي خالق محمد أنه مختار خالق محمد وبهذا التأويل تصبح


١ "فتح البيان تتمة منهاج التأسيس" ص ٣٤٧.
٢ "الضياء الشارق"، ص ٢٠٥ باختصار.

<<  <   >  >>