للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. أقول: فيه كلام من وجوه:

الأول: أنه يعتقد كثير من العوام، وبعض الخواص في أهل القبور، وفي المعروفين بالصلاح من الأحياء أنهم يقدرون على ما لا يقدر عليه إلا الله..

الثاني: أن مجرد عدم اعتقاد التأثير والخلق والإيجاد والإعدام.. لا يبرئ من الشرك فإن المشركين الذين بعث الله الرسل إليهم أيضا كانوا مقرين بأن الله هو الخالق الرازق، بل لا بد فيه من إخلاص توحيده وإفراده..

الثالث: أن مجرد كون الأحياء والأموات شركاء في أنهم لا يخلقون شيئا وليس لهم تأثير في شيء، لا يقتضي أن يكون الأحياء والأموات متساوين في جميع الأحكام، حتى يلزم من جواز التوسل بالأحياء جواز التوسل بالأموات، وكيف وليس معنى التوسل بالأحياء إلا التوسل بدعائهم، وهو ثابت بالأحاديث الصحيحة، وأما التوسل بدعاء الأموات فلم يثبت بحديث صحيح ولا حسن ... ) ١.

ويسوق الشيخ عبد الكريم بن فخر الدين حجة في الرد على دعوى دحلان -ومن سار على نهجه- حين زعم أن ذكر الصالحين في الاستغاثة والتوسل إنما هو سبب عادي لا تأثير له، فقال الشيخ عبد الكريم مجيبا:

(فإن كان كما زعم، فينبغي أن لا يكون التأثير والخلق والإيجاد لله القدير بدون ذكر الأخيار عادة، فإنه سبب عادي على قوله، فيلزم منه أنه لا يشبع بطن أحد بمجرد أكله إلا إذا ذكر هؤلاء الأخيار، فإن الأكل سبب عادي للشبع، وذكر الأخيار سبب عادي ثاني، وأن لا يسرج سراج بالفتيلة والزيت إلا بذكر الأخيار، وقس على ذلك كل شيء من غير انحصار) ٢.

وأما دعوى بعضهم أنه يجوز الاستغاثة بالأموات والأحياء؛ لأن لهم قدرة كسبية وتسببية، فيجيب الآلوسي عن هذه الدعوى فيقول:

(وما أورد على الجواب من أن للمستغاث بهم قدرة كسبية وتسببية، فتنسب الإغاثة إليهم بهذا المعنى سواء أكانوا أحياء أم أمواتا، وسواء كانت الاستغاثة بما يقدر عليه المستغاث به أم لا، مدفوع بأن كون العبد له قدرة كسبية لا يخرج بها عن مشيئة رب البرية، لا يستغاث به فيما لا يقدر عليه إلا الله، ولا يستغاث به، ولا يتوكل عليه، ولا يلتجأ في ذلك إليه، فلا يقال لأحد حي، أو ميت قريب، أو بعيد ارزقني، أو أمتني،


١ "صيانة الإنسان" ص ٢١٦ باختصار.
٢ "الحق المبين في الرد على اللهابية المبتدعين" ص ٣٣.

<<  <   >  >>