للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا نعلم أن الله عزّ وجل أَعطى أحداً من البشر مَوْثِقاً من الغلط، وأماناً من الخطأ، فنستنكف له منها، بل وَصَلَ عباده بالعجز، وقَرَنهم بالحاجة، ووصفهم بالضعف، والعجلة، فقال: { ... وخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيْفاً} ١، {وخُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} ٢، { ... وَفَوْق كُلِّ ذِي عِلْمٍ عليمٌ} ٣.

ولا نَعْلَمَهُ خَصَّ بالعِلْم قوماً دون قوم، ولا وقَفَهُ على زمن دون زمن، بل جَعَلَهُ مشترَكاً مقسوماً بين عباده، يفتح للآخِر منه ما أغلقه عن الأول، وينبه المُقِلَّ منه على ما أغفل عنه المُكْثِرَ، ويُحْييه بمتأخر يتعقب قول متقدم، وتالٍ يَعْتبر على ماضٍ٤.

وأوجبَ على كل من علم شيئاً من الحق أن يظهره وينشره، وجعل ذلك زكاة العلم، كما جعل الصدقة زكاة المال. وقد قيل: اتقوا زلة العالم. وزلة العالم لا تُعْرف حتى تُكْشف، وإن لم تعرف هلك بها المقلِّدون، لأنهم يتلقونها من العالم بالقبول، ولا يرجعون إلا بالإظهار لها، وإقامة الدلائل عليها وإحضار البراهين.

وقد يَظُّنُّ من لا يعلم من الناس، ولايضع الأمور مواضعها أن هذا اغتياب للعلماء، وطَعْنٌ على السلف، وذِكْر للموتى، وكان يقال: اعْفُ عن ذي قَبْرٍ،


١ ٢٨: النساء: ٤.
٢ ٣٧: الأنبياء: ٢١.
٣ ٧٦: يوسف: ١٢.
٤ أي يُعيد النظرَ في رأيه.

<<  <   >  >>