وليس ذاك كما ظنوا لأن الغيبة سَبُّ الناس بلئيم الأخلاق، وذِكْرهم بالفواحش والشائنات. وهذا هو الأمر العظيم المشبَّه بأكل اللحوم الميتة. فأما هفوة في حرف، أو زلة في معنى، أو إغفال، أو وَهَمٌ أو نسيان -فمعاذ الله أن يكون هذا من ذلك الباب، أو أن يكون له مشاكلاً أو مقارباً، أو يكون المُنَبِّهُ عليه آثماً؛ بل يكون مأجوراً عند الله، مشكوراً عند عباده الصالحين، الذين لا يميل بهم هوى، ولا تَدْخلهم عصبية، ولا يَجْمعهم على الباطل تحزُّب، ولا يَلْفِتُهم عن استبانة الحق حَسَدٌ.
وقد كنّا زماناً نعتذر من الجهل. فقد صِرْنا الآن نحتاج إلى الاعتذار من العِلْم١، وكنا نؤمّل شكر الناس بالتنبيه والدلالة فصِرْنا نرضى بالسلامة. وليس هذا بعجيب مع انقلاب الأحوال!!. ولا يُنْكَرُ مع تَغَيُّرِ الزمان، وفي الله خَلَفٌ. وهو المستعان.
ونذكر الأحاديث التي خالَفْنا الشيخَ أبا عبيد رحمه الله، في تفسيرها. على قلتها في جنب صوابه. وشُكْرِنا ما نَفَعَنا الله به من عِلْمه، معتدِّين في ذلك بأمرين:
أحدهما: ما أوجبه الله على مَنْ عَلِمَ في علمه.
والآخر: أَلاّ يَقِفَ ناظرٌ في كتابنا على حرفٍ خالفناه فيه، فيقضي علينا
١ يقصد أنه كان يعتذر من الجهل، وأصبح الآن يحتاج مع الناس إلى أن يعتذر منهم من العلم والرأي ليؤكّد صوابه في رأيه وموقفه، وحُسْنَ نيّتِهِ؛ ليبين لهم أنه على الحق، كما هي حاله في هذا المقطع الذي نقلناه عنه هنا؛ وذلك لأنّ الناس قَلّتْ رغبتهم في الحق، وساءت ظنونهم!.