للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخوّلنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا. نعم هكذا حتى ولو كان الواعظ رسولَ الله!! ذلك أنه يُراعِي الظروف النفسية للسامعين فيتحدث حين يكون للحديث قابلية أفضل واستعداد أحسن، لتلقّي كلمات المتكلم وفهْمها واستيعابها، وكثرةُ المواعظ المتتابعة قد لا تُجدي بل قد تدعو للسآمة والملل، وهذا عكس ما يرتجيه بمواعظه فهو يتجنبه.

إنه صلى الله عليه وسلم يراعي سنّة التدرج الطبيعي، ويتطلب الإقناع الراسخ الثابت ولو جاء بطيئاً، ويتحاشى الإيمان المتقلِّب غير الثابت ولو جاء أول الأمر في طفْرة عارمة.

وأيضاً فإنه صلى الله عليه وسلم يَسُنّ السنّة لمن بعده من الدعاة، المقتدين به، المقتفين أثره، فهو يرسم لهم الطريق عملياً بسيرته!.

فينبغي لهم أن يقتدوا به في ذلك عملياً فهو أُستاذ الطريق، ودليل السالك إلى الله عزّ وجل. لقد كان يتخوّل أصحابه بالموعظة، وهو هو، وأصحابه هم أصحابه، رضوان الله عليهم، الذين اختارهم الله لصحبته، واختاروا طريقه وارتضوا سنته، ولزموا الاقتداء به، وأَحبوا ذلك وتركوا في سبيله الدنيا وزخرفها، ولكنه كان يتخوّلهم بالموعظة في الأيام مخافة السآمة عليهم، أي يتعهدهم بالموعظة في الأيام، وذلك أمْرٌ وسطٌ بين التهاون وترْك التذكير والوعظ الذي يُنْسى، وبين الوعظ والتذكير المستمر الذي يُمِلُّ، وكلا هذين داءٌ خطير يتحاشاه صلى الله عليه وسلم بسيرته هذه، فيتخولهم ويتعهدهم بالموعظة.

ومِنْ تخوّله لهم بالموعظة أنه يتحيَّن المناسبات لمواعظه، فتقع موقعها في النفوس:

<<  <   >  >>