للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نَقَلَتِها ورواتها، وعلموا من ذلك ما لا يعلم غيرهم، حتى صاروا مجتمعين على ما تلقوه بالقبول منها إجماعاً معصوماً من الخطأ، لأسباب يطول وصفها في هذا الموضع، وعلموا، هم خصوصاً، وسائر علماء الأمة، بل وعامتها، عموماً ما صانوا به الدّين عن أن يزاد فيه أو ينقص منه مثلما علموا أنه لم يفرض عليهم في اليوم والليلة إلا الصلوات الخمس، وأن مقادير ركعاتها ما بين الثنائي، والثلاثي، والرباعي، وأنه لم يفرض عليهم من الصوم إلا شهر رمضان، ومن الحج إلا حج البيت العتيق، ومن الزكاة إلا فرائضها المعروفة، إلى نحو ذلك.

وعلموا كَذِبَ أهل الجهل والضلالة فيما قد يأثرونه عن النبي صلى الله عليه وسلم لعلْمهم بكذب من يَنْقل عنه نقلاً واضح الكذب؛ إمّا لمعارضته للأمر المنقول الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم، أو لكونه مما تتوافر الدواعي لتواتر نقْله عنه، لو كان صحيحاً١.


١ هنا ذَكَر شيخ الإسلام ابن تيمية أمثلةً مِن المنقولات المكذوبة على الرسول صلى الله عليه وسلم، التي عَلِم كَذِبَها أئمة الحديث، فقال: - زعْم الرافضة أن النبي صلى الله عليه وسلم نصّ على عليّ بالخلافة نصاً قاطعاً جلياً.
- وزعْم آخرين أنه نص على العباس.
- أكاذيب الرافضة والناصبة التي يأثرونها، مثل:
- الغزوات التي يروونها عن عليّ وليس لها حقيقة، كما يرويها المُكِدُّون الطرقية مثل: أكاذيبهم الزائدة في سيرة عنترة والبطال، حيث علموا مجموع مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن القتال فيها كان في تسعِ مغازٍ فقط، ولم يكن عِدّةُ المسلمين، ولا العدوّ، في شيء من مغازي القتال عشرين ألفاً.
- ومثل الفضائل المرويّة ليزيد بن معاوية ونحوه.
- والأحاديث التي يرويها كثير من الكرّامية في الإرجاء ونحوه.=والأحاديث التي يرويها كثير من النسّاك في صلوات أيام الأسبوع، وفي صلوات أيام الأشهر الثلاثة.
- والأحاديث التي يروونها في استماع النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه وتواجده، وسقوط البردة عن ردائه، وتمزيقه الثوب، وأخذ جبريل لبعضه وصعوده به إلى السماء.
- وقتال أهل الصُفّة مع الكفار.
- واستماعهم لمناجاته ليلة الإسراء.
- والأحاديث المأثورة في نزول الرب إلى الأرض يوم عرفة وصبيحة مزدلفة، ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم له في الأرض بعين رأسه.
- وأمثال هذه الأحايث المكذوبة التي يطول وصفها.
فإن المكذوب من ذلك لا يحصيه أحد إلاّ الله تعالى؛ لأن الكذب يحدث شيئاً فشيئاً، ليس بمنزلة الصدق الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يحدث بعده، وإنما يكون موجوداً في زمنه صلى الله عليه وسلم، وهو محفوظ محروس بنقل خلفاء الرسول وورثة الأنبياء.

<<  <   >  >>