للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس المراد بذلك أنهم يخرجون الكثرة عن الحصر، وإنما المراد أنه لا يحصر بأن الذي يوجب العلم ما نقله اثنان، أو ثلاثة، أو عشرة، بل ننظر إلى وقوع العلم به وانتفاء الظنّ عنه. فربما حصل ذلك بمائة أو أكثر، وربما حصل بأربعة أو أقل١.


١ اختلف الناس: في تحديد العدد الذي يحصل به التواتر.
فقال بعضهم: لا يقبل الخبر إلا من جميع أهل المشرق والمغرب.
وقال بعض الفقهاء يشترط أن يكونوا عددا لا يحصيهم عدد ولا يحويهم بلد.
وقالت طائفة يشترط أن لا يقل عن ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً عدد أهل بدر.
وقالت طائفة يشترط أن لا يقل عن سبعين عدد المختارين من قوم موسى.
وقالت طائفة يشترط أن لا يقل عن خمسين عدد القسامة.
وقالت طائفة يشترط أن لا يقل عن أربعين لأنه العدد الذي لما بلغه المسلمون أظهروا الدين وتنعقد به الجمعة.
وقالت طائفة يشترط أن لا يقل عن عشرين.
وقالت طائفة يشترط أن لا يقل اثني عشر.
وقالت طائفة أن يكونوا أكثر من أربعة وهو قول الباقلاني والقاضي أبي يعلى.
وقالت طائفة يشترط ألا يقل عن ثلاثة: لقوله صلى الله عليه وسلم ((حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه أنه قد نزل به جائحة.
وأكثر الأصوليين ذكر هذه الأقوال، ثم بين أنه لا برهان عليها ولا يصح في تعيين العدد شيء. وذكر أن المقصود سكون النفس إلى الخبر وعدم تأتي التواطؤ على الكذب: يقول ابن تيمية: (ولا يعتبر في التواتر عدد محصور، بل يعتبر ما يفيد العلم على حسب العادة في سكون النفس إليهم وعدم تأتي التواطؤ على الكذب منهم، إما لفرط كثرتهم وإما لصلاح دينهم ونحو ذلك) .
المسودة ٢٣٥، وانظر: نحوه في: الفتاوى ١٨/٥٠.
وقال ابن حزم: عقب ذكره الأقوال في العدد (وهذه كلها أقوال بلا برهان وما كان هكذا فقد سقط ... إلى أن قال – فلم يبق إلا قول من قال بالتواتر ولم يحدد عددا.
ثم بين أن المقصود بالتواتر وسكون النفس وانتفاء التواطؤ. (الإحكام: ١/١١٧، ١١٨، ١٢٠) .
وقال الإمام الحرمين الجويني بعد أن ذكر اختلاف الناس في تحديد العدد ونقض أقوالهم قال: فإذا تمهد لنا ذلك قلنا: ((لا يتوقف حصول العلم بصدق المخبرين على حد محدود وعدد معدود، لكن إذا ثبتت قرائن الصدق ثبت العلم به، ثم ذكر أن العلم قد يحصل بخبر مخبر واحد إذا حف به من القرائن ما يتضمن العلم بصدقه وضرب لذلك مثالاً. ثم قال: إذا ثبت إمكان حصول العلم بصدق مخبر واحد، فإنه قد يتخلف العلم بالصدق عن اخبار عدد كثير وجم غفير إذ جمعتهم إيالة (سياسية) وضمهم في اقتضاء الكذب حالة، ثم ضرب لذلك مثالاً أيضا. انظر: (البرهان ١/٥٧٦-٥٧٧) .
وقال ابن قدامة: الصحيح: أنه ليس له عدد محصور ... وأما ما ذهب إليه المخصصون بالأعداد فتحكم فاسد لا يناسب الغرض ولا يدل عليه، وتعارض أقوالهم يدلّ على فسادها، ثم بين أن المقصود حصول العلم. انظر: روضة الناظر ٥٠-٥١. وانظر: هذا المبحث في (أصول السرخسي – أيضا – ص ٢٩٤) .

<<  <   >  >>