٢ بعد صدور الطبعة الأولى للكتاب، وقفت على كلام لإمام الحرمين الجويني (٤١٩-٤٧٨) في كتاب له بعنوان ((نقض كتاب السجزي)) ألفه ردا على كتاب ((مختصر البيان للسجزي)) ، وهو كتابنا هذا. نقله عنه تقي الدين السبكي في كتابه: ((السيف الصقيل)) ص (١٩-٢٠) ، نال فيه من الإمام أبي نصر السجزي، وأوسعه فيه شتماً وذماً، فرماه بالحمق، والجهل، وسخف العقل، ولم يقف عند ذلك بل أسف في ذمه وشتمه حتى قال: " وقد كسا هذا التيس الأئمة صفاته ... - إلى أن قال -: قد ذكر هذا اللعين الطريد المهين فضولاً، وزعم أن الأشعرية يكفرون بها، - قال – فعليه لعائن الله تترى، واحدة بعد أخرى – قال – وما رأيت جاهلاً أجسر على التكفير وأسرع إلى التحكم على الأئمة من هذا الأخرق. كما وقفت أيضا على كتاب معنون بـ ((فهرست اللبلي)) لمؤلفه أحمد بن يوسف الفهري (٦٢٣-٦٩١هـ) رأيت مؤلفه سار فيه على منوال إمامه الجويني في شتم الإمام السجزي والنيل منه حيث قال فيه: (وكذلك اللعين المعروف بالسجزي فإنه تصدى أيضاً للوقوع في أعيان الأئمة، وشرع الأمة بتأليف تالف، وهو على قلة مقداره، وكثرة عواره، ينسب أئمة الحقائق، وبحور العلوم إلى التلبيس والمراوغة = والتدليس- قال-: وهذا الرزل الخسيس-كذا- أحقر من أن يكترث به ذو لب، ولا يغير البحر الخضم ولغة الكلب!! ... )) ولست هنا بصدد تفنيد أقوال هؤلاء، لكني أرى من الضرورة بمكان إيضاح دعوى الجويني أن السجزي يكفر الأشعرية وأنه لم ير أجسر منه على ذلك، فالحق أني لم أر السجزي رحمه الله كفر أحداً من الكلابية أو الأشعرية في كتابنا هذا – وهو الذي يرد عليه الجويني في كتابه المشار إليه – والكتاب بين يديك أيها القارئ الكريم، فأين فيه تكفير الأشعرية؟!! صحيح أن الإمام السجزي حمل عليهم، وحط عليهم، ووصفهم بأنهم أخس حالاً من المعتزلة لأن المعتزلة أظهرت القول بخلق القرآن فعرفهم الناس وهؤلاء موهوا ولبسوا، لكنه لم يكفرهم كما لم يكفر المعتزلة. بينما نرى الجويني في قوله: ((وتكلم السجزي في النزول والانتقال والزوال، والاتصال، والانفصال، والذهاب والمجيء ... - قال -: ومن قال بذلك حل دمه)) (السيف الصقيل ص ٢٠٢) أكثر جرأة وجسارة إذ يكاد يقول بحل دم الإمام السجزي لقوله بما جاءت به النصوص، من نزول المباري جل وعلا ومجيئه، إذ من يثبت ذلك عند الجويني على قوله المشار إليه حلال الدم إن صح النقل عنه. فانظر رعاك الله، كيف كان السجزي متكايساً وقوراً في حطه عليهم مع ما بينه من تلبيسهم وتمويههم، وما كشفه من عوارهم وكيف كان أئمة الأشاعرة غالين موغلين في عدائهم له وشتمهمم إياه بغير حق، وتقويله ما لم يقله، وكيف بعدوا عن العدل والانصاف وخرجوا إلى لون من الجور والإسفاف. وكل قد أفضى إلى ما قدم، والجميع بين يدي الله موقوفون، وعنده تلتقي الخصوم، ويُقتص من الظالم للمظلوم. على أني أرجو أن يدخل الله جل وعلا الجميع في رحمته، ويشملهم بعفوه ومغفرته، إنه واسع المغفرة.